لا حياة للمسلمين من دون تجديد

الفقيه السوري الدكتور وهبة الزحيلي:
05:22 صباحا
قراءة 7 دقائق

يؤكد الفقيه الدكتور وهبة الزحيلي العميد الأسبق لكلية الشريعة في سوريا وأستاذ المذاهب في العديد من الجامعات الإسلامية أن المسلمين اليوم يمرون بمرحلة متميزة من الصحوة الإسلامية في عهدها الحديث ولابد أن تستفيد الأمة منها حتى تستعيد مكانتها اللائقة بها وسط الأمم مؤكداً أن أعداء الإسلام لن يتوقفوا عن الإساءة لهذا الدين العظيم .

وقال الزحيلي في حواره مع الخليج خلال زيارته مؤخراً للقاهرة إن هناك من يحاول طمس معالم الشريعة الإسلامية لأنها تتعارض مع أطماعهم وأهدافهم غير النبيلة لهذا فعلى المسلمين الدفاع عن شريعتهم بكل ما أوتوا من قوة مشيراً إلى أن الإسلام أوجد حلولاً شرعية آمنة لكل القضايا التي تهم المسلمين وغيرهم منذ ظهور الإسلام وحتى قيام الساعة .

وقال إن كل ما جاءت به الشريعة الإسلامية الغراء من أنظمة وأحكام وشرائع وقيم كلها تنسجم وتتفق مع تطلعات الإنسان وتحمي حقوقه، وأنه لا أحد يملك إغلاق باب الاجتهاد . شارك الدكتور الزحيلي في 180 مؤتمراً وله الكثير من المؤلفات وهي نحو سبعين كتابا وأربع موسوعات هي الفقه الإسلامي وأدلته والتفسير المنير وأصول الفقه الإسلامي وموسوعة الفقه الإسلامي المعاصر، وتمت ترجمتها إلى الكثير من اللغات الأجنبية .

وتالياً تفاصيل الحوار مع الدكتور الزحيلي:

يرى الكثيرون أن الصحوة الإسلامية تسير في طريقها الصحيح فهل تؤيد هذه الرؤية؟

الصحوة الإسلامية ظاهرة طيبة بالفعل والشواهد تؤكد أنها بالفعل تسير في طريقها الصحيح وتعد حركة مباركة، ولكنها تحتاج إلى ترشيد وتوجيه وإلى الالتزام بأقوال العلماء وقبول النصح منهم بعدما تولى الصحوة الإسلامية أناس يقتصر جهدهم على مجرد العاطفة الإسلامية وإذكائها في النفوس والحماس ودفع الناس إلى العمل بالإسلام من دون أن يسلحهم بالعلوم والمعارف التي يستفيدون منها وفي خارج الدروس والمحاضرات والمواعظ والخطب لابد من أن نعيد حساباتنا ونضع خطة مناسبة للعمل في ضوء الظروف التي نعيشها، وهذا يدفعنا نحن العلماء إلى التفكير جدياً في توجيه الصحوة توجيهاً مباركاً وخصوصاً أن التحديات كثيرة والظروف قاسية والاتهامات متعددة، فلابد من أن نقابل ذلك بمستوى علمي لنقف أمام هذا التيار الخطر الذي يواجه الإسلام لأن الأعداء عندهم إمكانات ضخمة ونحن ليس بيننا مؤازرة وبقي جهدنا فردياً ومتروكاً لبعض المؤسسات والجمعيات أي أننا نفتقد الدعم المادي والمعنوي، على العكس مما يجد أولئك المبشرون بالمسيحية حيث يتلقون دعماً قوياً من حكوماتهم ولذلك يحاولون تنصير الناس في إفريقيا وآسيا وغيرها .

حلول إسلامية

ولكن هناك هجوم على تلك الصحوة بحجة أن التشريعات الإسلامية لا علاقة لها بالواقع المعاصر . . بماذا ترد على من يروجون هذه المزاعم؟

أقول لهؤلاء تذكروا ماذا حدث عندما تعرض العالم قبل عدة أعوام لأزمة مالية طاحنة حيث سارع الكثيرون في الغرب إلى الأخذ بالحلول الإسلامية لمواجهتها، فأوصلوا نسبة الفائدة على الأموال في البنوك إلى الصفر وهو ما استلهموه من الشريعة الإسلامية وهذا يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن كل ما جاءت به الشريعة الإسلامية الغراء من أنظمة وأحكام وشرائع وقيم كلها تنسجم وتتفق مع تطلعات الإنسان وتحمي حقوقه في كل مكان أياً كان دينه أو مذهبه فلا يوجد أي شرع في الدنيا فيه قيمة كبرى للإنسان مثلما نجدها في القرآن الكريم وفي الشريعة الإسلامية الخالدة التي يحاول أعداء الإسلام طمس معالمها، لأن مفاهيمها تصطدم مع أطماعهم وتطلعاتهم ومآربهم وهم كثيراً ما يستغلون فريضة الجهاد عندما يهاجمون الإسلام رغم إنه وسيلة لإعلاء الحق والعدل ونشر ألوية الحرية والمساواة وإبراز قيمة الإنسان والجهاد في المنطق التشريعي والدولي أداة للمقاومة ووسيلة لرد العدوان، وهو يقوي بواعث هؤلاء الذين يضحون بأغلى ما لديهم من نفس أو مال في سبيل الذود عن كرامتهم وأوطانهم ودينهم وعقيدتهم والحفاظ على مقدساتهم .

تجديد الفقه

كثر الحديث عن التجديد في الفقه، فكيف يتم في ظل الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الإسلام خاصة في ثوابته؟

أرى أنه لا حياة للمسلمين من دون تجديد، فأحكام الفقه ليست كالقوانين الوضعية بل هي وحى إلهي ولكن يجب أن ندرك أن منها ما هو ثابت تعبر عنها الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة والأحكام المنقولة بدليل قوي لا يقبل التأويل أو النسخ أو التعديل فهذه ليست أراء ولكنها أحكام شرعية من الله عز وجل وهذه الثوابت لا يجوز الاقتراب منها، وعلى الجانب الآخر هناك قضايا تخضع للقاعدة التي سنها العلماء تحت عنوان: تتغير الأحكام بتغير الأزمان أو الأماكن وهذه القاعدة تعبر عن ضرورة التجديد في ما بُني من هذه الأحكام على العرف أو العادة أو المصالح المرسلة أو القياس فهذه تقبل التجديد، ولهذا فمن الضروري أن يكون هناك تطور في بيان الأحكام الشرعية ليعرف الحلال من الحرام بدلا من أن يضطر الناس للعمل بالقوانين الوضعية، فالإنسان حينما يجد رأياً ولو كان ضعيفاً منبعه من الإسلام فإنه يفضل الأخذ به، والحمد لله على الاجتهاد الجماعي فهناك عدة مجامع فقهية منها مجمع البحوث بمصر ومجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة ومجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة ومجمع فقهاء الشريعة بأمريكا ومجمع الفقه الإسلامي في السودان وهذه المجامع عالجت كثيراً من القضايا الطبية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية والشرعية التي فيها اختلاف وبهذا فإن هذه المجامع الفقهية جددت الفقه وحرّكته وغطت ما يحتاجه كثير من الناس من بيان الأحكام الشرعية وأناشد كل من يطالبون بتجديد الفقه أن يؤكدوا أن يكون ذلك عبر الاجتهاد الجماعي وأن يقوم بذلك العلماء الأعضاء في المجامع الفقهية المعتبرة حتى لا يختلط الحابل بالنابل في هذا المجال .

الاجتهاد الحقيقي

يقول البعض إن الاجتهاد الحقيقي يبدأ مع النص وإن مقولة إنه لا اجتهاد مع النص خاطئة . . ما رأيك؟

هذا الكلام يتردد منذ فترة طويلة وأنا شخصياً سمعته وقد وقع العديد في هذه الورطة فقال بعضهم عن علم أصول الفقه إنه نشأ ثم نضج ثم احترق وهكذا فهم العلماء بصورة خاطئة موضوع إغلاق باب الاجتهاد حيث اعتقدوا أن باب الاجتهاد تم إغلاقه تماماً منذ القرن الرابع الهجري وذلك فهم خاطئ للأحداث التاريخية فالثابت أنه لا أحد يملك إغلاق باب الاجتهاد لأنه ضرورة حتمية لضمان خلود هذه الشريعة وصلاحيتها لكل زمان ومكان والله سبحانه وتعالى لم يهمل عقول هذه الأمة ونحن لو قلنا بإغلاق باب الاجتهاد فهذا يعني أننا عطلنا الشريعة، نعم هناك نصوص ثابتة ولكن هناك حوادث متجددة تتطلب اجتهاداً لذلك فإن إمام القرن التاسع الهجري جلال الدين السيوطي له كتاب اسمه: الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض فالاجتهاد فرض وليس متعة والتاريخ الإسلامي يقول إن إغلاق باب الاجتهاد في أواخر القرن الرابع الهجري كان من قبيل السياسة الشرعية فقد دخل في الإسلام أناس لم يكن لديهم الأهلية ولا الكفاءة في الاجتهاد ولما أحس العلماء بخطورة ذلك أغلقوا باب الاجتهاد وفى وجه هؤلاء إغلاقاً مؤقتاً وعندما زال هذا الظرف عاد العلماء الموثوق بعلمهم إلى الاجتهاد . والرسول صلى الله عليه وسلم أول من دعا للاجتهاد ودعا للتجديد وإلى ما يحقق مصالح الناس في الزمان والمكان . والاجتهاد ينطلق من النص ونحن في اجتهادنا أسرى النصوص لأن الإسلام شريعة إلهية .

فوضى الفتاوى

فوضى الفتاوى من المشكلات التي تؤرق مجتمعاتنا الإسلامية، فكيف نتغلب على تلك المشكلة ونواجهها؟

في رأيي الشخصي ومن دون أن يغضب منى أحد أقول إن الإعلاميين يريدون تدمير هذه الأمة حيث يأتون بمن ليس مؤهلاً أو بمن يبحث عن الشهرة ويستخدمونه في الرد على أسئلة وفتاوى الناس وهو جاهل لا يعرف حقيقة الأحكام الإسلامية وهؤلاء أوقعوا الناس في حرج، فهم يتكلمون عن جهل ولا يفتون بالرأي المعتمد ويلجؤون إلى ما يسمونه بالتيسير ويوقعون الناس في بلبلة شديدة وهم بما يفعلون يخونون الله ورسوله وأصول الإسلام .

والواقع يؤكد أن قضايا الفتاوى في البلاد العربية أصبحت فوضوية ولهذا فالحاجة ماسة لوجود مرجعية تشرف على هذه الأمور .

إذاً كيف ترى دور الإعلام في الدفاع عن الإسلام والمسلمين؟

الإعلام يعبر عنه بأنه السلطة الرابعة في كل الدول، وأصبح منه الصحيح ومنه الكاذب بوجه سياسات الدول فنحن بأشد الحاجة إلى أن يكون الإعلام إسلامياً موحداً بحيث تكون هناك فضائية واحدة وصحف ومجلات واحدة وأن يكون لنا صوت إسلامي متميز وقرار واحد في الأحداث حتى نعبر عن ثباتنا وتطلعاتنا أمام الآخر لأن مشكلتنا الآن التفرقة والشتات فالإعلام الإسلامي هو الكفيل بأن يوحد هذه الجهود ويوجهها توجيهاً صحيحاً وموحداً ليعبر عن حقيقة الإسلام وتطلعاته وصفاته .

الإساءة للإسلام

كيف تنظر إلى الإساءات المتكررة ضد الإسلام؟

يجب ألا نهتم كثيراً بتلك الإساءات التي تريد شغلنا عن الاهتمام بمستقبل مجتمعاتنا ولابد من أن نتبنى خطاباً إعلامياً يؤكد للمتطرفين في الغرب أن الإساءة لديننا لن تؤدي إلا إلى تمسكنا به أكثر وأكثر فمهما فعلوا لن يضروا الإسلام أو القرآن في شيءٍ وإنما سيزيدون المسلمين إيماناً وثقةً بدينهم، لأن الله قد تكفل بحفظ كتابه ولكننا مطالبون في الوقت نفسه بالعمل على مختلف المستويات لوقف هذا العدوان ولابد من أن نعمل على استصدار قوانين دولية تجرم الإساءة للإسلام مثلما فعل الصهاينة عندما نجحوا في استصدار قوانين تجرم مجرد التشكيك في الهولوكوست فلماذا لا يوجد نظام عالمي يجرم الإساءة إلى الأديان وتعريض المقدسات للاستخفاف والاستهتار والرسوم البذيئة والصور القبيحة؟

هل هذا يعنى أن الأمة الإسلامية مازالت مستهدفة رغم الضعف الكبير الذي تعانيه؟

هذه حقيقة لابد من أن نعترف بها حتى نستطيع مواجهة التحديات فأعداؤنا يبذلون قصارى جهدهم حتى نظل في حالة الضعف والوهن الذي نعيشه اليوم وهم يستخدمون في ذلك معطيات حديثة تعد وسائل تدمير لكيان هذه الأمة وأخلاقها، وهدم بنية الفكر الإسلامي وينشرون الفوضوية والإلحاد والزندقة والإباحية والانحلال في إطار ما يسمى العولمة، فأهيب بالشباب أن يدركوا مخاطر هذا التوجه الذي يهدف إلى تحقيق مصالح وهيمنة أصحاب الفكر اللاديني .

ظهر في الآونة الأخيرة مصطلح فقه الأولويات . . ما مدى حاجتنا لهذا الفقه في الدعوة والإفتاء؟

كل إنسان ينبغي أن يقدم في حياته الضروريات، وفقه الأولويات قائم على أساس المبدأ المعروف في مقاصد الشريعة التي تشمل الضروريات والتحسينيات والحاجيات فيجب على كل مفتٍ أن يراعي الضروريات وهي الحفاظ على الدين والنفس والعقل والمال والعرض وهذا ما يبدأ به الإسلام، وشريعتنا قامت على التدرج في التشريع ففقه الأولويات تطبيق لأصل من أصول الإسلام الذي قام على أصول ثلاثة هي قلة التكاليف والتدرج في التشريع واليسر والسماح ودفع الحرج وبهذا يكون الإسلام دينا متكاملاً في كل ما جاء به من أجل تحقيق سعادة الإنسان والأمة والجماعة وعلينا جميعاً أن نقلع عن تقليدنا للغربيين ونعود إلى مائدة الإسلام وندرك ضرورة أن نستفيد من عطائه لأنه من شرع الله الحكيم .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"