لهيب في الصحراء الكبرى

00:15 صباحا
قراءة 5 دقائق
كمال بالهادي
وجهت الطائرات الأمريكية ضربة قاصمة لتنظيم «داعش» في ليبيا، عندما قصفت منزلاً يتجمع فيه مقاتلو التنظيم في مدينة صبراتة غرب العاصمة طرابلس. الضربة الأمريكية تثبت أن ما تم تداوله منذ أيام عن تدخل عسكري غربي حاسم في ليبيا ليس مزاحاً. ولكن الثابت أن الضربة ستجعل التنظيم الإرهابي يسارع بإعادة الانتشار، خاصة أن كلّ الشريط الساحلي الليبي سيكون تحت النار خلال الفترة القادمة.
المراقبون يرصدون منذ فترة غير قصيرة محاولة التنظيم الإرهابي التوغل نحو الجنوب الليبي ومنه نحو الصحراء الإفريقية الكبرى حيث تنتشر جماعات أخرى مثل القاعدة وبوكو حرام وحركة أزواد المالية، وصولاً إلى حركة الشباب الصومالية، وغيرها من التنظيمات المتشددة التي استطاعت أن تجد في تلك الصحراء الشاسعة ملاذاً آمناً، ومكاناً للترويج لأنشطتها نحو التوغل أكثر في صفوف القبائل الإفريقية.
} من ليبيا إلى مالي
يتضح أن الضربات التي شرع في تنفيذها في الأراضي الليبية من قبل قوات التحالف الدولي، ستعمل على تطهير الساحل الليبي من المجموعات المتشددة وخاصة في مدينتي درنة وسرت في الشرق الليبي و مدينة صبراتة في الغرب. وإذا ما نجحت قوات التحالف الدولي في القضاء على هذه الجماعات، أو في طردها من الساحل، فإن ذلك لن يكون كافياً لأن الأرض الليبية تمتد على نحو مليوني كم مربع، وهي مساحات شاسعة، يمكن للتنظيمات الإرهابية أن تذوب في وسطها وأن تعيد انتشارها. بمعنى أن تطهير الساحل الليبي، لا يعني القضاء النهائي على التنظيمات الإرهابية التي تتخذ من ليبيا معاقل لها.
وهناك خبراء عسكريون يميلون إلى ترجيح توسيع الضربات حتى تشمل كافة منطقة الساحل و الصحراء بالتعاون مع دول المنطقة حتى تكون محاربة الإرهاب ذات فاعلية أكبر، وإلا فإن الخطر سيظل قائماً، لأن بعض الجماعات التي تنتشر في الصحراء الإفريقية، استطاعت أن تجدد نشاطها رغم الضربات القاصمة التي وجهت لها في التدخل الفرنسي في مالي في العام 2012. المراقبون يرون أن الضربات التي ستنجز في ليبيا ستفتح الطريق واسعاً أمام هذه الجماعات لتسلك طريق الجنوب، حيث مالي والنيجر ومنها تمتد إلى التشاد ونيجيريا لتربط مع جماعة بوكو حرام. وهذا يعني في تحليلات المراقبين أن الـ«دواعش» والتنظيمات الإرهابية الأخرى، سيسعون إلى تعميم الخراب في منطقة ممتدة، كما سيسعون إلى السيطرة على طرق التهريب أين تتغذى من تلك الأنشطة وتجمع الثروات، فطرق التهريب في الدول الإفريقية توفر لعصابات المخدرات والأسلحة نحو مليار دولار سنوياً وفق تقديرات للأمم المتحدة في سنة 2014.
وزير الخارجية الإيطالي باولو جينتيلوني قال «إن التحالف يواجه منظمة مرنة جداً وقادرة على التخطيط بطريقة استراتيجية لذلك يجب ألا يقع التقليل من أهميتها، وفق تعبيره. فيما حذرت الولايات المتحدة وإيطاليا، من أن تنظيم «داعش» يسعى بشكل جدّي إلى توسيع نشاطه في ليبيا، وإفريقيا جنوب الصحراء». و توقع بوب ويلسون قائد مجموعة القوات الخاصة الثالثة، ضمن قوات الأفريكوم الأمريكية، تمدّد «داعش» من ليبيا إلى دول إفريقية أخرى خلال العام المقبل وهي نفس المخاوف التي عبرت عنها دول إفريقية مجاورة بينها النيجر وتشاد. وقال ويلسون على هامش اجتماع احتضنته العاصمة السنغالية داكار خلال الأسابيع الماضية، لبحث خطر الإرهاب في غرب إفريقيا، «أعتقد أن «داعش» سيتمدّد خارج ليبيا حيث يمكنه العثور على أتباع للتعاون معهم «مضيفاً أنه قلق من» زيادة مستوى التنسيق بين الجماعات المتشددة».
وكانت القوة العسكرية الأمريكية الخاصة بإفريقيا والمعروفة باسم «الأفريكوم»، قد أعلنت في يناير الماضي عن خطتها لمواجهة التنظيمات المتشددة في القارة السمراء. إذ سيقوم مخطط العمل على الاستراتيجية التي تم تبنيها خلال سنة 2015 من قبل الجنرال دافيد رودريغاز قائد «أفريكوم» على خمسة أهداف أساسية خاصة برفع التحديات الأمنية في القارة الإفريقية. ومن بين الأهداف الأولوية، القضاء على تنظيم «داعش» في ليبيا والتحكّم في انتشار بوكو حرام في غرب إفريقيا، والقضاء على الجماعة الإرهابية «الشباب» في الصومال.
و في ذات الاتجاه، أكّد الكولونيل ماهامان لامينو ساني مدير التوثيق والمعلومات العسكرية بالقوات المسلحة في النيجر، أن قواته قد رصدت دخولاً لعناصر «داعش» عبر الحدود الشمالية مع ليبيا في اتجاه الأراضي النيجرية، والشيء ذاته يحدث في تشاد المجاورة، وأضاف قائلاً «تتحرك الدولة الإسلامية صوب جنوب ليبيا لتفادي الضربات الجوية المحتملة من التحالف الأوروبي».
الخطر الإرهابي الذي يهدد دول الساحل و الصحراء، تستعد له الدول الإفريقية، وتحاول تنسيق جهودها، لصد عمليات «تعميم الخراب» وهي المنهجية القتالية التي تتبعها التنظيمات الإرهابية. ففي يناير الماضي، أكدت دول الاتحاد الإفريقي عزمها على المضي قدماً في محاربة الجماعات المتشددة وأوكلت صلاحيات واسعة لرئيس الاتحاد الإفريقي الحالي، وهو الرئيس التشادي إدريس دبي، المعروف برغبته القوية في توحيد الأفارقة للقضاء على تنظيمي «داعش» و«بوكو حرام»، للتنسيق بين دول المنطقة، لاتخاذ إجراءات عملية في مكافحة الإرهاب في الصحراء الكبرى. أما في غرب القارة و تحديداً في السينغال فقد انطلقت مناورات هي الأضخم لقوات خاصة من نحو 30 دولة إفريقية و غربية، قصد التدرب على العمل ضمن قوات متعددة الجنسيات، الأمر الذي يشير إلى أن الحرب على الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي لن تكون قصيرة.
ورغم الرغبات الجدية في القضاء على الإرهاب إلا أن هناك مخاوف جدية لدى دول الجوار الليبي من أن يؤدي التدخل الغربي في ليبيا إلى صوملة هذا البلد ومضاعفة الخراب الاجتماعي والاقتصادي والأمني المستمر منذ العام 2011. دول الجوار الليبي تتشاور منذ مدة حول كيفية التعامل والتنسيق، إذا ما تم تنفيذ الضربة العسكرية الأمريكية والغربية في ليبيا، لمنع تعميم الخراب الإرهابي في منطقة الساحل والصحراء. بالنسبة للجزائر، فهي شديدة التحفز لوضع «الرمال المتحركة» وحدودها الواسعة التي تمتد على نحو 6 آلاف كم، تحتاج قدرات هائلة للسيطرة عليها. لا يخفى على أحد أن الجزائر متخوفة من حدوها الشرقية مع تونس وليبيا، ولذلك أكملت عمليات تأمين الحدود واتخذت قراراً حكومياً بإغلاق الحدود فورياً مع كل من تونس و ليبيا، عند حدوث أي تهديد أمني. وتنقل وسائل إعلام جزائرية أن وزارة الدفاع قد شرعت منذ أشهر في حشد الآلاف من جنودها وفتحت قواعد عسكرية جديدة على طول الحدود الجنوبية مع مالي والنيجر وموريتانيا، تحسباً لأي طارئ سيغيّـر من توازنات المنطقة التي تعدّ مجال نفوذ حيوي للجزائر. ويرى بعض المحللين أن التغييرات التي يمكن أن تشهدها منطقة الساحل والصحراء في حال نشوب حرب على الجماعات الإسلامية، وما سيتبعها، من تغيّـر في التوازنات السياسية والعسكرية في المنطقة بكاملها، سيؤثر لا محالة في الأمن القومي للدول المغاربي.
يمكن القول إن الصحراء الكبرى، هي منطقة شديدة الصعوبة، والسيطرة عليها تكاد تكون مستحيلة، إن لم يكن هناك تعاون تام بين دول الجوار، وإن لم تكن هناك نوايا صادقة، لمنع امتداد الحرائق إلى هذا الجزء من القارة الإفريقية. وهنا كانت بعض الدول وعلى رأسها الجزائر تعبر بصراحة عن أن أي عمل منفرد سيجعل الرمال المتحركة تغرق الجميع في الفوضى والعدمية. ويشير الخبراء إلى أن التدخل الفرنسي في مالي لم يقض نهائياً على الجماعات المتشددة، لأن فرنسا اختارت ألا تتعاون مع دول المنطقة وسارعت إلى التدخل السريع من دون أن تفكّر فيما بعد التدخل وهو ذات الأسلوب الذي تدخلت به الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان سابقاً وهي أمثلة أثبتت فشل تلك الخيارات. وعليه فإن نجاح أي تدخل عسكري في ليبيا لن يكون ناجحاً، إلا إذا كان التحالف الدولي جدي هذه المرة في اقتلاع الإرهاب من جذوره.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"