محفوظ يوقظ دور النشر الإيطالية من نوم طويل

المركزية الأوروبية حرمت القارئ الغربي رواياته
23:54 مساء
قراءة 3 دقائق
القاهرة «الخليج»:

يرصد د. حسين محمود في كتابه «محفوظ في إيطاليا» علاقة الإيطاليين بالأدب العربي، خصوصاً أدب نجيب محفوظ، الذي يراه المؤلف في هذا الإطار «صاحب فضل»، بمعنى أنه فتح الباب على مصراعيه لترجمة الرواية العربية في إيطاليا، وسلط الضوء على الكثير من الكتاب العرب غيره، خاصة المقيمين في أوروبا، الذين فتحت لهم دور النشر أبوابها.

قبل نجيب محفوظ كان اهتمام دور النشر الإيطالية بالإنتاج الأدبي ضعيفاً محدوداً، فضلاً عن أنه كان منحازاً إلى حد كبير لأساليب وأفكار بعينها، وهو انحياز مشروع - كما يرى المؤلف - لأنه كان ينتقي ما يوافق ذائقة المتلقي، أو يحمل قيمة فريدة من وجهة نظر المترجم، وهي وجهة نظر تكوّنت وتطورت بفعل الثقافة الأوروبية أيضاً، وفضل نجيب محفوظ هنا هو أنه أصبح المعيار الذي يمكن القياس عليه، ولم تعد القوانين الأوروبية ولا الذائقة الغربية هما الفيصل في الانتقاء، لقد أيقظ محفوظ بجائزة نوبل دور النشر الإيطالية من سبات طويل، ودفعها للانتباه إلى وجود أدب راق، يستحق أن يترجم، هو الأدب العربي، هذا الاستيقاظ كان له أثر فعال في زيادة الأعمال المترجمة، وكان له أثر معادل أيضاً لتأثيرات سلبية محتملة لظاهرتي الهجرة والإرهاب. كم يبلغ حجم معرفة نجيب محفوظ في إيطاليا فعليا؟ يجيب المؤلف أن ما قرئ من أعمال محفوظ في إيطاليا ليس قليلاً، موضحاً أن موقعاً عنوانه: «من ينصحني بكتاب؟» أورد اسم نجيب محفوظ أحدَ أكثر الكتاب الذين ينصح بقراءتهم، وسجل نحو 104 آلاف شخص إعجابهم بهذا الاقتراح، وفي موقع آخر يقوم بتسويق الكتب اتضح أن من قرأ رواية لمحفوظ قرأ باقي رواياته.

المستشرق الإيطالي الراحل سيرجو نويا كان من أوائل من قدموا نجيب محفوظ، في مدة مبكرة جداً، من ظهور ترجماته إلى الإيطالية، وذلك بمناسبة تقديم ترجمة «زقاق المدق» التي ترجمها مستشرق كبير آخر هو باولو برانكا.
أيضاً فإن المستعربة الإيطالية إيزابيلا كاميرا دافليتون، صمّمت موقعاً إلكترونياً، خصصته للدراسات العربية في إيطاليا، وخصّت نجيب محفوظ بصفحة تقدمه فيها للقارئ الإيطالي، وهي تدير تحرير سلسلة للكتاب العرب المعاصرين في إحدى دور النشر الإيطالية، وقد صدر فيها ما يزيد على أربعين رواية عربية مترجمة إلى الإيطالية، وعندما تتولى إيزابيلا تقديم شخصية مثل نجيب محفوظ، فإنها تمثل مصدر ثقة من جانب المطلع والمثقف والباحث والقارئ العادي الذي يبحث عما يقرأ.
يشير المؤلف إلى أنه في ديسمبر 1988 أصدرت مجلة «الشرق الحديث» عدداً خاصاً عن محفوظ كتب فيه فرانشيسكو غابرييلي أن «الاعتراف الإيطالي بالأعمال الروائية لنجيب محفوظ حدث بالفعل منذ أوائل الثمانينيات عندما أعطيت جائزة المتوسط للروائي المصري، الآن قد وصل محفوظ إلى القمة بالاعتراف الدولي المتمثل في جائزة نوبل، وكان من الطبيعي أن يجتمع عليه المستعربون الإيطاليون، الذين يتابعون بأعداد أكبر وباهتمام أعمق التطورات التي يشهدها الأدب العربي المعاصر».
وكتب جوفاني أومان عن فوز محفوظ بنوبل بأنه حدث استثنائي، يحمل إلى المنصة العالمية وإلى اهتمام غير المستعربين إنتاجاً أدبياً، ظل حتى الآن مجهولاً للجمهور العريض، ربما لأنه مكتوب بلغة لا يستطيع أن يفهمها في أوروبا سوى القليل من المغرمين بها، مع أنها لغة مهمة يتحدث بها جميع جيراننا على الضفة الأخرى للبحر المتوسط من المغرب في الغرب، وحتى سوريا في الشرق.
وفي العدد نفسه تشير دانييلا أمالدي، إلى أنها بدأت حياتها البحثية متخصصة في أدب نجيب محفوظ، لكنها بعد ذلك كرّست جهودها في أدب العصر الجاهلي، وأن أستاذها باولو مينغانتي هو الذي أشار عليها بأن تدرس محفوظ. وفي هذا العدد بدأت إيزابيلا كاميرا مداخلتها بالهجوم على الناشرين الكبار في إيطاليا الذين قرروا تجاهل نشر أعمال محفوظ، ولم يقبل على النشر سوى دور نشر متوسطة الحجم، لكنها لا تنقصها السمعة ولا يعوزها الاحترام.
وعزت إيزابيلا هذا الموقف من محفوظ إلى المركزية الأوروبية التي أعمتهم عن رؤية القيمة الحقيقية لمحفوظ، وانقلب الوضع تماماً بعد فوزه بنوبل، فقد تحولت هذه اللامبالاة إلى اهتمام محموم.
لقد فضح فوز محفوظ بجائزة نوبل التجاهل التام للقارئ الأوروبي للثقافات المغايرة، وعلى نحو خاص الثقافة العربية، التي اقتصر تناولها حتى ذلك الوقت على الجهد الأكاديمي.
تقول كاميرا دافليتو: «لقد ظلت ثقافتنا تدير ظهرها لسنوات عدّة للضفة الأخرى من البحر المتوسط، لكي تبحث عن الغريب البعيد في الشرق الأقصى وموضة الأدب اللاتيني الأمريكي، ومع فوز محفوظ توجب على الغرب أن يعيد حساباته جذرياً مع هذه الثقافة التي أهملها متعمّداً».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"