محمد إبراهيم يعقوب.. الأمر ليس كما تظن

عود ثقاب
01:07 صباحا
قراءة 3 دقائق
حين يجتاح الروح شعر محمد إبراهيم يعقوب، فإن الانطباع الأول الذي تشعر به هو الدهشة التي تصنعها حروفه، والرعشة التي تحدثها صوره والماء العذب الذي يتدفق من لغته، لكنّ هناك أسراراً كثيرة تتوزع بين المرآة والأوتار، بين الرحيل والهوية، بين ما قاله الحرف وما لم يقله الرمل، بين اعترافات الآخر وبين الباب الخلفي للرخام، بين وخزات الألم التي تحفز النفس على طلب المدد متسلحة باليقين الذي تطل من خلاله على شرفة اللغة، وربما باح وتره بالسر الذي كشفته المرآة عن خطيئة الأرض، فصرح بهذا البوح «سرٌّ تبوحُ بهِ لأوّلِ صفعةِ.. هل تُخطئُ الريحُ الذي تذروهُ؟!»، ومع كل هذه التفاصيل إلا أن هناك شيئاً مختلفاً باح به شعره فقال لمحبيه مثلما قال لأبنائه «الأمر ليس كما تظنون، فحلقوا بعيداً.. بعيداً»، هل هو الاعتراف بشيء خفي عليهم أم الدفاع عن شيء متخيل، هل هو قلق الشاعر من التأويل؟ أسئلة كثيرة تبدأ من اليد التي تمتد على الصفحة الأولى، وهي تراوغ تلك الخطوط الزرقاء التي تحوم في غياهب الحرف، وكأنها تحوم حول شعب مرجانية تلتقط لها صورة من مخيلة الشاعر، لتخرج بها دانة فريدة تهديها لمكتبة الشعر قصائد مفعمة بالأمل والألم معاً، وجرت أحداثها بين 2009 - 2012.
حين تسلمت هذا الكتاب منه وقرأت عنوانه، أحسست بأني أنا المخاطب، ولذلك كان لا بد من اكتشاف ما يظنه الشاعر لا ما أظنه أنا المتلقي، وهي إشارة إلى أنه يطلب مني أن أبذل جهداً للاقتراب من نبض الحرف لأسبر أغوار معانيه، تصفحت نصه الأول واعتراف الآخر له بقوله «شغفي بحرف الجيم إرثٌ من أبي، كم في الأبوّةِ من ضلالٍ طيّبِ.. شجرُ الكلام مكيدةٌ يا سيّدي، والوقتُ كاللغة التي لم تُحتطبْ». هنا أحسستُ بأني بحاجة إلى الركض أكثر مع الحروف، لأمر على شجر الكلام وألتقط صورة لكراسة الإملاء التي تحتفظ بسر كتاباته وعذاباته، ثم حين دخلت من «الباب الخلفي للرخام»، وقرأت «صورٌ على الجدرانِ ثمّةَ من بنى صرحاً وحسبُ الطين طينٌ مثلُهُ، كدنا نُصفّقُ، مسرحيةُ من إذنْ؟ هذي الدُّمى هديٌ ونحنُ محلُّهُ». هنا أحسست بتعب الروح وهي تدور في فلك التأويل، فوجدته مثلي يكتب «خاتمة لروح متعبة» فشعرت بشيء من التفاؤل لأصل إلى درة المعنى، فصدمني برأيه الذي أنّقه الشعر «يكفي من الحبِّ ندنو ثمَّ ننصرفُ.. قد نُغلقُ البابَ لكن كيفَ نعترفُ؟». وبما أن للعاطفة شجنها وجمالها، فقد قررت أن أغوص في هذا البحر الجميل لأكتشف شاعره وما يظنه، فالقادم أمامي كثير لكنه الشعر يختصر مسافاته، لأن الطريق محاط بخضرة القصيدة وماء الشعور لهذا الشاعر الذي قدم بعد هذه المرحلة أعمالاً أخرى.
محمد إبراهيم يعقوب شاعر سعودي شكلت شخصية أحاسيسه تلك الطبيعة الجازانية البكر، التي تهدي الزائر الفل الجازاني المعطر بطيبة أهلها، هو من منطقة تقع في جنوب غربي المملكة وتحضن الجبال وتصافح نسيم البحر الأحمر، وتنظر إلى السحاب وهو يحمل الغيث بأنفة لتقول له إن في الحرف غيثاً سيمطر، والأمر ليس كما تظن هو المولود الرابع الذي سجل شهادة ميلاده النادي الأدبي بجدة 2013، بعد رهبة الظل 2001، وتراتيل العزلة 2005، وجمرُ من مروا 2010، وجمع في هذا الديوان 28 نصاً في ما يزيد على 180 صفحة من القطع المتوسط.
محمد عبدالله البريكي
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"