مدحت عاصم جامع الشرق والغرب في الموسيقا

قاوم الاحتلال وألف الأناشيد الوطنية داخل السجن
13:42 مساء
قراءة 4 دقائق

ولد الموسيقار مدحت عاصم في 20 فبراير/شباط من عام 1909 في سراي والده المحامي إسماعيل بك عاصم بن محمد باشا صادق المحامي أيضاً، ولدت هذه الشخصية الظريفة والفذة التي تجمعت لها ميول ومواهب عدة، في المنزل رقم 11 شارع السرجاني بالعباسية الشرقية بميدان الاستبالية الفرنسية التي أصبحت الآن مستشفى القوات الجوية . وهو الموسيقار والشاعر والملحن والأديب والناقد والرياضي أيضاً، والذي شغل منصب المدير الفني للإذاعة اللاسلكية للحكومة المصرية في الثلاثينات، ومنصب المستشار الفني للموسيقا والغناء في الستينات .

كان والده أديباً ومترجماً ومؤلفاً مسرحياً، درس في الأزهر ثم في فرنسا شأنه شأن سعد زغلول، وقد كان إسماعيل عاصم من المحامين اللامعين الذين لهم نقاط مضيئة في حياتهم، مثل دفاعه عن ضحايا حادثة دنشواي، كما كان من المنادين بتأسيس الجامعة المصرية الأهلية، إلى جانب تحمسه للحضارة العالمية حتى إنه قام بترجمة مسرحية توسكا إلى اللغة العربية وقدمها في دار الأوبرا السلطانية وأخرجها بنفسه، وقام بتمثيل دور البطولة فيها، وبذلك كان أول هاو مصري من أسرة عريقة يقتحم مجال الفن .

أما والدة مدحت عاصم فهي المجاهدة الوطنية السيدة فاطمة شركس، ما يعني أنه نشأ في مناخ أدبي فني أتاح له منذ الصغر أن يشاهد كبار رجال الدولة من السياسيين والأدباء والفنانين في منزل والده أمثال: أمير الشعراء أحمد شوقي، أحمد لطفي السيد باشا، سلامة حجازي . . وغيرهم الكثير .

سارت دراسة مدحت عاصم الثقافية والفنية بشكل متوازن حتى بعد وفاة الأب عام ،1919 حيث درس في مدرسة البراموني الأولية ثم مدرسة الحسينية الابتدائية، ثم التحق بمدرسة فؤاد الأول الثانوية عند نشأتها الأولى بسراي الزعفران التي أصبحت الآن جامعة عين شمس، إبان تلك الفترة كان الطلبة يتظاهرون ضد حسن باشا نشأت رئيس الديوان الملكي، فتم القبض عليهم وكان مدحت في مقدمتهم، ما أدى إلى فصله من المدرسة فألحقته والدته بالمدرسة الإلهامية الثانوية، ثم عاد والتحق بالمدرسة الخديوية التي حصل منها على شهادة البكالوريا . انتقل إلى مدرسة الزراعة العليا حيث كان له نشاط طلابي رياضي وفني وثقافي، وطوال هذه الفترة لم ينس آلة البيانو التي تركها له والده فكان يقضي معظم وقته في العزف عليها .

اختير مدحت عاصم عند إنشاء الإذاعة اللاسلكية تحت إدارة شركة ماركوني لمنصب المدير الفني الشرقي للإذاعة، حيث كان قد عرف قبلها من المحطات الأهلية لمهارته في العزف على آلة البيانو، وعرف أيضأ بمحاضراته ومجادلاته الخاصة بنشر الوعي الموسيقي وبشعره المنثور الذي كان ينشره في جريدة السياسة الأسبوعية منذ كان طالباً بالمرحلة الثانوية .

رغم عشقه لآلة البيانو، فإنه أحب الآلات الموسيقية الشرقية، فقد كان دائماً ما يستمع إلى والدته وهي تدرس العزف على آلة العود . ولأنه كان يهوى آلة الناي، فقد تعلمها بنفسه، في نفس الوقت الذي عزف فيه على آلة البيانو ودراسة الموسيقا العالمية على يد كوكبة من المعلمين منهم البروفيسور رامبو تسوتي .

درس أيضاً فن التأليف الموسيقي والتوزيع الآلي على يد المايسترو فبيو فلتشيلي وجوليو لاباتي، ثم درس قواعد الموسيقا الشرقية على يد الفنان الشيخ درويش الحريري . . كل هذه الدراسات العربية والعالمية كونت من مدحت عاصم فناناً أصيلاً، ظهرت آثارها في عزفه وفي مؤلفاته الموسيقية، وتعتبر أغنية من يوم ما حبك فؤادي واحدة من علامات مدحت عاصم للمطرب الكبير فريد الأطرش، حيث ألفها ولحنها مدحت تحية لزوجته الثانية وأم ابنته ميرفت .

كان مدحت متأثراً في الموسيقا العالمية وكثيراً ما كان ينادي بالتطوير، وعندما عين مديراً فنياً شرقياً للإذاعة اللاسلكية للحكومة المصرية، بدأ في تنفيذ ما كان يؤمن به من حيث تقصير زمن الأغنية المصرية والخروج بها من القالب التقليدي الى القوالب الحديثة والإيقاعات الحية المرحة، مع الحفاظ على النغم الشرقي العربي الأصيل، كما كان لمدحت الفضل في اكتشاف بعض الأصوات الجديدة التي كان يراها مناسبة لرؤيته الجديدة في الموسيقا منهم: إبراهيم حمودة، آمال مكاوي، فريد الأطرش، أسمهان، ليلى مراد .

أنشأ مدحت عاصم أول فرقة للموسيقا العربية بقيادته وأسماها فرقة الراديو الشرقية، ثم عهد بها بعد ذلك إلى الراحل الموسيقار عزيز صادق لقيادتها .

قدم مدحت عاصم بعض الفنانين في العزف الانفرادي أمثال: رياض السنباطي على آلة العود ثم كملحن شرقي كبير، وفريد الأطرش على آلة العود أيضاً . أما من ناحية التأليف الموسيقي فأشهر ما قدم عطشان يا صبايا على آلة البيانو .

حصل الموسيقار على جائزة الدولة التقديرية ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولى ،1978 ثم عين مقرراً للجنة الموسيقا والأوبرا والباليه التابعة للمجلس الأعلى للثقافة، وذلك منذ عام 1981 وحتى آخر أيام حياته، ثم انتخب عضوًا بمجلس إدارة المجلس الدولي الموسيقي التابع لهيئة اليونسكو، ورئيساً لشعبته المصرية تقديراً منهم لعلمه وفنه، ثم عين قبيل وفاته عضوًا بالمكتب الفني للمجلس الأعلى للثقافة عام 1988 وهي أعلى مرتبة بين مثقفي الدولة .

الجدير بالذكر أن لمدحت عاصم مواقف وطنية كثيرة وفدائية، فهو مثلاً صاحب فكرة الاحتفال برأس السنة الهجرية إذاعياً في وقت كانت الإذاعة خاضعة للإدارة الانجليزية، وكان ذلك في أواخر الثلاثينات، وفي أواخر الأربعينات قبض على مدحت وأودع السجن وحكم عليه بالحبس سنة لتوزيعه منشورات ضد الملك، وقد استطاع وهو داخل السجن أن يؤلف ويلحن أناشيد وطنية ويرسلها خفية للإذاعة المصرية وقت ان كانت خاضعة لشركة ماركوني .

ما بين عامي 1950 و1951 اختار الفريق عزيز باشا المصري مدحت عاصم ليتولى مهمة تنسيق الحركة الفدائية ضد المستعمر بين الطلبة والعمال والمحامين، وبعد الثورة وتحديداً عام 1945 كان مدحت يعيش في رفح مع الفدائيين تطوعاً منه ضد المناوشات الإسرائيلية .

توفي مدحت عاصم في الرابع من فبراير/شباط عام 1989 إثر عملية جراحية في ساقه، وقد شيعت جنازته في اليوم نفسه .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"