مسجد الحسن الثاني الثالث في مساحته عالمياً

يعتبر مسجد الحسن الثاني، آية من آيات المعمار العربي الإسلامي في العالم، وهو من أكبر المساجد وصومعته تطاول السماء، والمساحات والمرافق العلمية والفنية التابعة له تعد من بين أهم المرافق التابعة لمسجد من هذا الكبر والاتساع.

ويجب التذكير هنا، أنه خلال شهر رمضان الكريم الماضي، كان يحضر إلى هذا المسجد لأداء صلاة التراويح يوميا أكثر من 50 ألف مصلٍ، وبلغ الأمر أوجه في العشر الأواخر، عندما وصل عدد المصلين إلى أكثر من 80 ألف مصلٍ، ضاقت بهم ساحة المسجد الفسيحة.

بدأت عملية بناء مسجد الحسن الثاني سنة 1986 واستمر البناء به إلى غاية ،1993 وقد أطلق الملك الراحل الذي حمل المسجد اسمه، حملة تبرعات شعبية من أجل إشراك المغاربة في هذا المعلم التاريخي الموجود في مدينة الدار البيضاء على الساحل الأطلسي، وحمل شعار الحملة التبرعية الآية القرآنية الكريمة وكان عرشه على الماء، في إشارة إلى هذا المسجد التحفة الذي تم ردم البحر من أجل بنائه.

وللمسجد سقف متحرك يفتح آليا، ويعتبر ثالث اكبر مسجد في العالم بعد الحرمين الشريفين وصومعته أطول صومعة بالعالم، نصف المسجد مبني فوق البحر.

ويبلغ علو الصومعة 210 أمتار، وشيدت طبقا للتقاليد العربية الأندلسية، تمتاز بالرخام الذي يكسوها، وهي مزودة بمنارة وجامور يشع ليلا بشعاع ليزر موجه من قمتها نحو الكعبة الشريفة لبيان اتجاه قبلة المسلمين يصل مداه إلى 30 كلم.

توحي الزخارف المنقوشة على الواجهة الرخامية لصومعة المسجد بالصوامع في عهد الدولة المرينية التي حكمت المغرب في العصر الوسيط. أما الألواح الزليجية المزينة للجهة العليا للصومعة باللونين الأبيض والأخضر،فهي ألوان السلم والحياة. وقد جهزت الصومعة من الداخل بمصعد سريع يتسع ل 12 شخصاً يمكنهم من الوصول إلى قمة الصومعة في أقل من دقيقة.

المدرسة القرآنية

ومن مرافق المسجد، المدرسة القرآنية، وقد عرف المغرب المدارس الدينية خلال الحكم المريني، وقد دعم شكلها الهندسي فن الزخرفة بالمغرب، كما تشهد على ذلك المدارس القديمة بفاس ومكناس. تصنف المدرسة الدينية بمسجد الحسن الثاني ضمن هذا التراث العربي الأصيل، وقد بنيت على شكل نصف دائري، في اتجاه القبلة، تغطي مساحة 4840 متراً مربعاً وتتوفر على طابقين ومستوى تحت أرضي.

وتمزج المدرسة في تعليمها بين ما هو تقليدي وما هو عصري من خلال استعمال أدوات تكنولوجية في مسارها التعليمي، حيت تم وضع إمكانيات وأدوات بيداغوجية عصرية رهن إشارة طلبة علوم الدين.

وتوجد قاعة الصلاة وسط المعلمة، فهي الجزء الأكثر إثارة وإبهارا بهندستها التقليدية، حيث أنها مجهزة لاستقبال 25 ألف مصلٍ، شيدت على شكل مستطيل بطول يصل إلى 200 متر وبعرض يصل إلى 100 متر، مكونة من ثلاثة صحون عمودية لجدار القبلة، مساحتها 20 ألف متر مربع.

يمكنك ان ترى المسجد بوضوح من على بعد 7 كيلومترات، ويخدعك حجمه الكبير ليبدو للناظر وكأنه قريب جدا منك. ومع الاقتراب منه يزداد حجمه شيئاً فشيئاً. وتتسع الساحة الخارجية للمسجد لتستوعب 80 ألف مصلٍ، بينما يستوعب داخل المسجد 20 ألف مصلٍ، ويتسع ليصل المجموع إلى مئة ألف مصلٍ. وتتميز مئذنة المسجد بالطابع الأندلسي الجميل من ناحية النقش والزخرفة، وهي في الوقت نفسه، عبارة عن برج للسفن القادمة إلى ميناء الدار البيضاء.

استعمل في بنائه خمسة وستون ألف طن من الرخام، وفيه ألفان وخمسمائة عمود. كما يتوافر المسجد على تقنيات حديثة منها السطح (سطح المسجد) المتحرك أتوماتيكياً (للفتح والإغلاق)، والأبنية الملحقة بالمسجد تشكل مجمعاً ثقافياً بالإضافة إلى زخارف أو فسيفساء الخزف الملون على الأعمدة والجدران وأضلاع المئذنة وإبداع الصانع المغربي التقليدي في الحفر على خشب الأرز الذي يجلد صحن المسجد وأعمال الجبس المنقوش الملون في الحنايا والأفاريز.

أصالة ومعاصرة

حتى وإن كانت الدار البيضاء، مدينة حديثة وتعكس الوجه الجديد للمغرب، إلا أنها لم تفرط في بعض من أصالتها، من خلال العديد من المحطات العمرانية التي تمثل جمال العمارة العربية الإسلامية. ومن ذلك حي الاحباس، أو الحبوس وهو من الأحياء العريقة في الدار البيضاء، أو كازبلانكا، ومن أهم أسواق الكتب في المغرب. هنا تنزل شحنات الكتب القادمة من مختلف أنحاء العالم، عبر ميناء الدار البيضاء، كي تسافر إلى مكتبات المغرب. كتب قديمة وجديدة، وبالعربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية، وفي هذا المكان المحاط برمزية تاريخية، لأنه يرمز إلى المنطقة التي انطلقت منها الرصاصات الأولى للمقاومة المغربية، هنا، في المنطقة المعروفة بدرب السلطان حيث يوجد القصر الملكي، الذي كان يأتي إليه رمز استقلال المغرب الملك محمد الخامس.

لمنطقة الأحباس، وهي منطقة مشيدة على النمط المعماري التقليدي للمدينة العتيقة المغربية، ألق خاص، وسحر لا يقاوم.

الدار البيضاء، هي مدينة التعدد والتنوع الديني، ففيها إلى جانب ثلاثة آلاف جامع ومسجد، عدد من الكنائس والمعابد: ست كنائس كاثوليكية بناها الإسبان أقدمها كنيسة (Buenaventura) في العام ،1891 وثلاثة معابد يهودية.

وتعتبر سنة ،1923 نقطة تحول في الدار البيضاء، ساهمت في تأسيس المدينة الجديدة التي سمّيت حي الحبوس على يد المهندس الفرنسي ميشيل إيكوشار الذي ساهم قبلا في التخطيط لمدينتي دمشق وبيروت. وكان الهدف هو الفصل بين الحي الأوروبي في مدينة الدار البيضاء والأحياء المغربية، عن طريق بناء مدينة بمواصفات وطراز مغربيين،، وبنيت المدينة في وقت قياسي بين العامين 1946 و1952. كان الفرنسيون يأملون من خلال المشروع إكمال صورة المدينة لزيادة علاقتهم بها والسيطرة على خيراتها. لكن ازدياد الحركة الاقتصادية في المدينة، أرغم الفرنسيين على التراجع عن المعمار التقليدي لصالح الأنماط الأمريكية الحديثة. وقد شهد فندق أنفا مؤتمر الدار البيضاء في يناير/ كانون الثاني ،1943 الذي حدّد فيه تشرشل وروزفلت الاستسلام غير المشروط لألمانيا.

وتعرض حي الحبوس وسمي كذلك، لأنه كان عبارة عن وقف، كغيره من المناطق الوقفية، التي هي اليوم، تابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، بتحولات كثيرة، ويعرف بسوقه التقليدي، الذي يظم أهم منتجات الصانع التقليدي المغربي، علاوة على حي المكتبات، الذي توجد فيه أهم المكتبات ودور النشر المغربية والعربية، والتي ساهمت في إثراء الحياة الثقافية في المغرب.

وتعود ملكيات هذه المكتبات قبل أكثر من خمسين سنة إلى بعض تجار مدينة فاس الذين فضلوا، قبل أن ينضم إليهم تجار جدد، المتاجرة في الكتب المستعملة، ويطلق عليهم رواد الكتب اسما فرنسيا وهو البوكينيست، أي باعة الكتب المستعملة، وهم اليوم ينظمون معرضا سنويا وأصبحت لهم جمعية، تطالب بحماية تجارة الكتب المستعملة وتوفير مقر لها في منطقة الحبوس التاريخية.

لكن منطقة الحبوس، تتميز أيضا بالإضافة إلى سوق كتبها الشهير، بسوق الزيتون الذي يعرض المنتوجات الجيدة من زيت الزيتون ومن الزيتون، كما تعرف ببزاراتها العتيقة، التي تعرض منتوجات الصناعة التقليدية، من ملابس ومطرزات وأدوات جلدية وجلابيب مغربية أصيلة غالية الثمن ونعال، وبلاغي صفراء، ومنقوشات،وخزفيات، ويمتد الأمر إلى أعمال فنية فطيرة ولوحات لرسامين ورسامات غير معروفين، وأيضا المنتجات التقليدية المتوارثة، من الحلوى الفاسية ذائعة الصيت.