مقاصد الزواج في الاسلام

02:23 صباحا
قراءة 3 دقائق
شرع الله سبحانه الزواج لبناء علاقة وثيقة تربط بين الزوجين قوامها العواطف النبيلة والمشاعر الحميمة، فالزواج صلة شرعية تُبْرم بعقد بين الرجل والمرأة بشروطه وأركانه المعتبرة شرعاً . ومن هنا يبدأ الحديث عن مقاصد الزواج التي استهدفتها النصوص الشرعية، فالزواج عقد ينشأ في حماية الشرع لتحقيق أنواع من المقاصد المعتبرة والغايات النبيلة والمصالح الدينية والدنيوية التي تعود بالخير على الفرد والمجتمع، ومنها مثلاً:
1- عبادة الله عز وجل: ينوي المسلم والمسلمة من الزواج عبادة الله عز وجل وهو الهدف الأول من الزواج، وطاعة الله ورسوله، فقد شرع الله الزواج وجعله شعيرة من شعائر دينه الحنيف الذي ارتضاه لعباده، وحثهم عليه ورغبهم فيه، قال صلى الله عليه وسلم: " . . . وفي بُضْع أحدكم صدقة" قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر قال "أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر" (رواه مسلم) .
وفي الزواج عبادة واحدة لكنها تشتمل على عبادات كثيرة متنوعة:
فبه يتحقق العفاف لكلا الزوجين، ومن خلاله يكون حسن العشرة بينهما، وبسببه تكون الذرية التي بها عمران الكون والحياة، وفي ظله تكون تربية النشء الجديد، ومسؤولياته الكبيرة تدفع الزوج إلى السعي في طلب الرزق للإنفاق على الأسرة، ورعاية مصالح الأسرة تدعوه إلى الصبر على أعباء الحياة الزوجية .
وهذه قُرُباتٌ إلى الله سبحانه عظيمة الثواب عميمة الأجر، وتمثل أحد جوانب حفظ الدين من جهة الإيجاد بالحرص على رضا الله تعالى ولزوم فرائضه وأحكامه، وبالبعد عما يغضبه وترك نواهيه ومحرماته .
2- وفي ظل الزواج تتكوّن الأسر التي تبني المجتمع، وبه تمتد الحياة موصولة بالأسر الأخرى، مما يكون له بالغ الأثر في التناصر والترابط وتقوية وشائج المجتمع من خلال قرابات النسب والمصاهرة، قال تعالى: "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَآءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً" (الفرقان: 54) .
3- والزواج ستر وإحصان وصيانة للنفس من الفواحش وغض للبصر عن المحرمات، مما يجعل له دوراً في تحصيل العفة وتهذيب السلوك وحماية المجتمع من الرذائل .
فقد خلق الله في الإنسان غريزة الجنس، وهي من أقوى الغرائز وأعنفها، وإن لم تشبع فربما ينتاب الإنسان القلق والاضطراب، ولتلبيتها شرع الزواج ولم يعترف بأية علاقة جنسية خارج إطاره ولا يبيحها: فحرم الزنا والفواحش ودواعيها، قال تعالى يصف عباد الرحمن "وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً" (الفرقان: 68) وسد الذرائع إلى ما يهدد الفضيلة ويمهد للرذيلة، فحرم الخلوة بين الرجل والمرأة الأجنبية، وفرض الحجاب على المرأة، وأمر المؤمن بالغض من بصره، وهذا يسهم بشكل واضح في حفظ الأعراض والأنساب، وهي مقاصد عظيمة تصون النفس وتحمي المجتمع وتقوي بنيان الأمة .
4- وبالزواج امتداد الحياة بإيجاد العنصر الإنساني ورعايته في المحضن الذي يتعهَّده بالتنشئة، ويؤهِّله لأداء وظيفته الاجتماعية وللقيام بدوره في رقيِّ المجتمع الإنساني، مما يسهم في تحقيق الخلافة في الأرض وتكاثر الأمة وإمدادها بالنسل القوي الذي يحقق عزتها وإسهامها بإيجابية فاعلة في عمارة الأرض وبناء الحياة للإنسانية، قال تعالى "يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً" (النساء: 1)، ولذا حثَّ صلى الله عليه وسلم على تكثير الأمة فقال: "تزوجوا الولود الودود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة" (رواه أحمد) .
5- يوفر الزواج المودة والرحمة بين الزوجين، فكل منهما يأنس إلى قرينه ويهنأ بمجالسته فتهدأ أعصابه ويشعر بالاستقرار والأمان، وهذا من مظاهر الصحة النفسية لكل منهما . وبالزواج تنشأ علاقة بين الزوجين مبنية على التعاون، قال الله تعالى "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الروم: 21) .
6- وبالزواج أيضاً قيام بالمسؤوليات الأسرية العظيمة من إنفاق ورعاية وحماية وحفظ، وهذه المسؤوليات وإن كانت شاقَّة إلا أنها ترقى بالإنسان وتشعره بالاعتزاز والارتياح والسعادة لدى تحقيقه مطالب أفراد أسرته، ففي ظل الأسرة التي يبنيها الزواج يُبْنَى الإنسان الصالح ويتلقى التربية الصحيحة من خلال العناية بالنشء الجديد لحمايته وضمان بلوغه الهدف المنشود . ويكون ذلك بالحضانة وهي ضم الطفل لحفظه ورعايته، وهي واجب ديني قبل أن تكون أمراً فطرياً، لأن إهماله وتركه يؤدي إلى ضياعه وتشرده أو وقوعه في الانحراف والغواية، فبالحضانة يكون الحفظ الحقيقي المتكامل للإنسان والبناء المتين لشخصيته وتكوين فكره وثقافته، وهو من المقاصد العظيمة للزواج .

د . تيسير التميمي
* قاضي قضاة فلسطين رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي سابقاً

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ytke7mkk

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"