يحيى الحاج: المسرح الإماراتي يشهد قفزات نوعية

يؤكد على المزج بين المحلي والعالمي في النص الدرامي
05:04 صباحا
قراءة 6 دقائق

هو فنان بالفطرة، على الرغم من كونه دارساً أكاديمياً للمسرح . . هكذا يومئ يحيى الحاج لكل من يلتقيه، بابتسامته التي لا تفارقه، وبتفاؤله الذي يشي بالحب والتواضع . مؤخراً كرّمته إدارة مهرجان دبي لمسرح الشباب لمسيرته الطويلة التي تربو على ثلاثين عاماً، متنقلاً بين جنبات الخشبة، مانحاً النصيحة مرة، ومشاركاً فعلياً في الهم المسرحي، أو جالساً في ركن قصي، يمارس فن الإصغاء، ويدوّن الملاحظات في عقله ووجدانه معاً، أو رفيقاً للكتّاب والممثلين والمخرجين سواء من كان منهم على مقاعد الدراسة منذ الإرهاصات الأولى للفن المسرحي، مروراً بالراهن الذي تشكل مؤسسياً من خلال مهرجانات وفعاليات مسرحية عدة مثل أيام الشارقة المسرحية وغيرها، وليس انتهاء برسوخ الفن المسرحي الإماراتي كعلامة مضيئة في المحيطين الخليجي والعربي .

يحيى الحاج من الأسماء المسرحية المؤثرة في الإمارات منذ قدومه إليها والتحاقه بالعمل في وزارة الإعلام في عام 1980 التي أصبحت تسمى الآن وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، في تلك الفترة لم تكن هناك أي تصنيفات مسرحية كما هو الحال اليوم، كما يؤكد يحيى الحاج وإنما مجرد فرق مسرحية، انطلق معظمها من الجمعيات والأندية الرياضية تحت مظلة اللجان الثقافية في هذه الجمعيات، التي كان نشاطها ينصبّ في بعض المشاهد واللوحات التمثيلية التي تناقش قضايا المجتمع ومشكلاته، وما زال المسرح كما يرى الحاج مفردة قوية ضمن النسيج الاجتماعي ويناقش الهموم والتطلعات، وهذا يؤكد أن المجتمع يقع في صلب العملية التربوية والتثقيفية بالنسبة إلى الإمارات، وهذه من العلامات الصحيحة في أي كيان مجتمعي يريد أن ينهض بالفرد ويرتقي به إلى مسارب الرقي والتقدم .

عاصر يحيى الحاج حركة نشطة في المسرح الجامعي كوكبة مميزة من الأسماء التي اتجه بعضها إلى الفنون الكتابية بعد تخرجهم، مثل إسماعيل عبدالله وناجي الحاي (المسرح) وأحمد راشد آل ثاني (الشعر) وجميع هؤلاء وغيرهم كان لهم إسهامات رفيعة في الحراك المسرحي والثقافي معا .

يحيى الحاج يكاد يكون مؤرخاً للحركة المسرحية في الإمارات، فهو العارف بأدق تفاصيلها وهواجسها، وعلى خلاف من يترددون في تقييم هذه الحركة، أو يشككون في تطورها، نجده يؤكد حيوية هذه المسيرة التي رسخت بصمة حقيقية في المحيط الخليجي والعربي، حيث يؤكد أن المسرح الإماراتي خطا خطوات جيدة، حيث بدأ الحاج ومجموعة من الرواد في 1982 ومن خلال التركيز على الورش المسرحية في تأهيل وتكوين الممثل، باعتماد ورش علمية حول منهجية وحرفية الكتابة للمسرح .

وهكذا نشطت الفرق المسرحية بحسب الحاج من خلال التنافس الذي بدأ مع أيام الشارقة المسرحية، لتكون مشاركاً حقيقياً في بلورة مفاهيم ومرتكزات أساسية تصب في رصيد تراكم الفن المسرحي المحلي، عبر مثابرته الجادة وخروجه إلى فضاء المشاركة الواسع في المهرجانات والملتقيات العربية، وحصوله على جوائز رفيعة في تخصصات الفن المسرحي كافة، من تمثيل وإخراج وكتابة نصوص وغيرها، وبذلك يؤكد يحيى الحاج تأهل المسرح الإماراتي من خلال المسابقات، فخرج مبكراً نحو المشاركة في المهرجانات العربية انطلاقاً من دمشق مهرجان دمشق المسرحي في 1982 واستمر حتى عام 1986 قبل أن يتوقف مهرجان دمشق بزمن وجيز، فامتدت حينذاك المشاركات المسرحية إلى مسرح قرطاج الدولي وحصل على جوائز أولى من خلال مسرحية (ها الشك يا زعفران) من إخراج الكويتي فؤاد الشطي، حيث نال أحمد الجسمي جائزة أفضل ممثل، وسميرة أحمد جائزة أفضل ممثلة، في عام 1983 .

في 1984 شارك المسرح الإماراتي في فعاليات مهرجان دمشق من خلال مسرح الشارقة في عمل (صديقنا بنجيتو) إخراج عبدالإله عبدالقادر، كما شارك في قرطاج عام 1985 من خلال مسرحية (غلط في غلط) وتواصلت مشاركاته عبر دورات المسرح التجريبي في القاهرة، ومهرجان البحر المتوسط في إيطاليا، كما ذهب للمشاركة في فعاليات المسرح الإسباني في طرطوشة وفي أفينون في فرنسا .

يقول يحيى الحاج (يقيني أن هذا الاحتكاك وهذه المشاركات يجب أن تفضي إلى قفزة نوعية وموضوعية في المسرح، وعليه أرى أن كل حلقات الدراسة والندوات التطبيقية والتحليلية التي نجريها ولا نزال حول العروض المسرحية، أضافت للفنان المسرحي الإماراتي كماً هائلاً من الخبرة وفهماً عميقاً لمفردات المسرح ومصطلحاته الجمالية، لذلك يرى يحيى الحاج أن المسرح الإماراتي قد اختصر مشواره في سنوات قليلة، ليكون في مصاف الحراك المسرحي العربي كتفاً بكتف، ولا سيما مع تنوع المهرجانات داخل الدولة، ابتداء بمهرجان الشارقة المسرحي ومهرجان المسرح الجامعي، ومهرجان الإمارات لمسرح الطفل، ومهرجان المسرح المدرسي، ومهرجان دبي لمسرح الشباب، وكل هذه الخريطة من الحراك الثقافي والمسرحي بصفة خاصة تمنح المسرح في الإمارات رقماً يصعب تجاوزه، في ما يتعلق بتألق المنجز المسرحي الذي أصبح فعلاً متراكماً بالخبرة ومرجعية تنهل من معينها كل الأجيال الشابة، التي بدأت نتاجاتها المسرحية المتطورة تظهر جلياً دورة تلو الأخرى .

يسوق يحيى الحاج ما سبق ويربطه بالدورة الخامسة لمهرجان دبي لمسرح الشباب التي انتهت فعالياته في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي والتي صاحبها حوارات نقدية فاحصة ومتأنية في تحليل وتقييم العروض المسرحية تطلعاً إلى غد أفضل .

أما بخصوص الجهود المبذولة في الكتابة المسرحية والنصوص بمختلف طروحاتها الاجتماعية والفكرية، التي تتوقف في معظمها عند هموم المواطن المحلي وعلاقته مع البيئة، فهي من الموضوعات المطروحة بقوة في المسرح المحلي، ولأن التركيز على مثل هذه القضية التي أصبحت سمة من سمات هذا المسرح، يثير حفيظة النقاد والمتابعين، فإنها بالنسبة ليحيى الحاج تعتبر من عناصر التميز وليس العكس، حيث يؤكد أن النصوص المسرحية في بداياتها كانت تنطلق من القضايا البيئية والمحلية بتكثيف شديد، وكانت حينئذ تطوف على العديد من الملامح الثقافية المرتبطة بقضايا الناس الاجتماعية من موقع جغرافي، إذ تحس أن للبحر والصحراء (الحضر والبادية) وجوداً مكثفاً في القضايا المطروحة، وفي غمرة هذا الطرح المتكرر لا ينفي يحيى الحاج أن المشتغلين في حقل الكتابة للمسرح، قد رأوا أن ثمة ضرورة ل الإعداد والأقلمة والتناص من المسرح الإنساني بوجه عام، ليضيف ذلك كماً هائلاً للمكتبة المسرحية الإماراتية، وبذلك يسهل تناول هذه الأعمال على خشبة المسرح بتناغم يتناسب مع مشكلات المجتمع تبعاً لتشابكها أو تقاطعها مع القضايا والحالات الإنسانية على اختلافها وتنوعها .

يتحدث يحيى الحاج عن مهمة الورش المسرحية باعتباره واحداً من أبرز الأسماء التي دأبت على الاهتمام بهذا الجانب، منذ قدومه إلى الإمارات وذلك لقناعته بفكرة محورية مفادها أن العرض المسرحي إنما هو خلاصة لمجموعة الأفكار التي تتأسس خلال البروفة بوصفها منطلقاً لتوليد الأفكار والتوجهات المراد إيصالها للمشاهد، وعليه، فإن الورش التدريبية في المسرح لها مهمة أساسية في التكوين المسرحي، والتربية الصوتية، والتعبير الجسدي المرتبط بلغة العرض المسرحي، لرفع سوية أداء الممثل على الخشبة وللتأثير في كل المعادلات الجمالية وتجليات الإخراج المسرحي، وما يلزم من ورش حول مهمة الدراما تورج في ربط مفاصل الكتابة في النص الأدبي بما يلزم من تمهيد وتأمل لضمان تسهيل مهمة اشتغال الممثل مع دوره أثناء التدريب المسرحي للطلاب، وعلاقة هذا الممثل بالشخصيات ضمن الإيقاع العام المتصاعد والمتنامي للعرض المسرحي، ومن خلال تجسيد الحالات الدرامية القائمة على الأفعال وردود الأفعال، والتنبيه والاستجابة بضرورة الحضور المسرحي العالي على خشبة المسرح بينه وبين زملائه لسلامة في الحوارات على الخشبة، بغية الوصول بالخطاب المسرحي إلى مقولة نهائية لما ينبغي أن تقوله المسرحية .

إضاءة

يحيى الحاج حاصل على بكالوريوس في المسرح تخصص تمثيل وإخراج من المعهد العالي للموسيقا والمسرح في الخرطوم، وبعد التحاقه بهيئة التدريس في المعهد لمدة عامين ابتعث إلى إنجلترا لينخرط في دراسة تخصصية في التمثيل والإخراج ومن ثم عاد إلى المعهد محاضراً في التمثيل والإخراج .

من أعمال يحيى الحاج إعداد مأساة الحلاج عن نص لصلاح عبدالصبور، ومأساة بائع الدبس الفقير عن سعد الله ونوس، والوحوش لا تغني، وصحوة المشلول عن نص لعبدالمنعم يوسف، و8 رجال لهم رؤوس عن نص لمحمود دياب وكلهم أبنائي لأرثر ميللر عبارة عن تأليف جماعي وهو نتاج ورشة تدريبية في الفن المسرحي .

من أعماله أيضاً إخراج عمل فلسطيني للكاتب علي عقلة عرسان وشارك فيه في الدورة الأولى لأيام الشارقة المسرحية في عام 1983 .

يشغل الآن منصب خبير مسرحي في وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، عضو لجنة تقييم وإجازة النصوص للمشاركة في المهرجانات المختلفة .

خلال تكريم مهرجان مسرح دبي للشباب للحاج تم عرض فيلم تسجيلي يقدم صوراً من حياة هذا الفنان في فترات مختلفة، وتحدث بهذه المناسبة مسرحيون إماراتيون وعرب رافقوا الحاج عبر مسيرة المسرح المحلي منذ بداياتها .

ويحيى الحاج اسم ارتبط بشكل حميمي مع مهرجان دبي لمسرح الشباب مخرجاً ومقيماً ومنعشاً ومشرفاً، بل مقيماً للكثير من الورش والبرامج التي تسبق العروض، وتمكين الشباب من فرص الاستفادة من طاقات المسرح، وقد حملت مطوية التكريم الكثير من الثناء والتقدير لهذا الفنان المتفاني الذي كان ولا يزال شعلة من النشاط الوقّاد الذي يستحق عليه التكريم .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"