“نعيم القبر وعذابه” ثابتان في القرآن والسنة

لا يمكن لمسلم راسخ العقيدة التشكيك بهما
00:48 صباحا
قراءة 7 دقائق
يخرج علينا بين الحين والآخر بعض المثقفين ليدلوا بتصريحات تغمز من قناة الإسلام، أو تشكك في بعض ثوابته، وكان آخر هؤلاء كاتب شهير تناول موضوع "عذاب القبر" بأسلوب يجمع بين الإنكار والسخرية .
وتعقيباً على ما أعلنه هذا الكاتب قال عدد من كبار علماء الأزهر: إن غير المتخصصين في العقيدة لا يجوز لهم الخوض في الأمور الغيبية التي لا يدركونها ولا يقفون على أدلتها الشرعية، مؤكدين أن الأمور الغيبية تحتاج إلى عقول واعية مطلعة على النصوص والبراهين الشرعية، بحيث يتم التمييز بين الحقيقة والخرافة في هذه الأمور .
في البداية يستنكر العالم الأزهري، د .بركات عبد الفتاح دويدار، أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر، عضو هيئة كبار العلماء، تجرؤ البعض من غير المتخصصين على الحديث في أمور الدين خاصة في أمور غيبية لا يدرك حقيقتها والتمييز بين الحقيقة والخرافة فيها إلا أهل العلم، الذين وصفهم الحق سبحانه ب"أهل الذكر"، فهم الذين درسوا أمور الدين وتعرفوا بحقائقها من مصادرها المعتمدة، وهي كتاب الله والسنة النبوية الصحيحة .

كلام غريب

ويشير عضو هيئة كبار العلماء إلى أن ما يتردد على ألسنة بعض أدعياء الثقافة الإسلامية فوق منابر بعض المساجد في عالمنا العربي والإسلامي وعبر بعض الفضائيات الدينية وغير الدينية من كلام غريب عن أحوال القبر وما يحدث للإنسان فيه من سؤال للميت، ومن نعيم أو عذاب، أو خير أو شر، لا ينبغي أن يتورط فيه بعض المثقفين، ذلك أن معظم القصص والحكايات التي يرددها الدخلاء على الدعوة والثقافة الإسلامية تختلط فيها الحقائق بالخرافات التي تصدم المشاعر، وتنفر العقول والأذهان وتؤذي الضمائر، وتشكك المسلمين وغير المسلمين في كل ما يقال عن هذا العالم الغيبي الذي لا مجال للعقل لإدراكه، خاصة أنه لم يثبت أن أحداً من الأموات قد عاد إلى الحياة مرة أخرى ليقص علينا حقيقة ما يحدث داخل القبر .
وهنا يوضح عالم العقيدة الأزهري أن الأمور الغيبية جميعها لا مجال فيها لتحكيم العقل، حيث يجب أن نعتمد فيها على القرآن الكريم وما ثبت عن النبي- صلى الله عليه وسلم- وقد ثبت سؤال القبر ونعيمه وعذابه في القرآن الكريم وفي السنة النبوية المطهرة الصحيحة . . فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الحكيم: "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة" . والمراد بالحياة الدنيا مدة حياتهم في هذه الدنيا والمراد بالآخرة ما يشمل سؤالهم في القبر، وسؤالهم في مواقف يوم القيامة .
والمعنى الذي يوضحه لنا هذا النص القرآني أن الله سبحانه وتعالى يثبت الذين آمنوا بالقول الصادق الذي لا شك فيه في الحياة الدنيا بأن يجعلهم متمسكين بالحق ثابتين عليه طوال حياتهم، ويثبتهم أيضاً بعد مماتهم بأن يوفقهم إلى الجواب السديد عند سؤالهم في القبر، وعند سؤالهم في مواقف يوم القيامة .
كما وردت جملة من الأحاديث النبوية الصحيحة التي وردت في سؤال القبر وفي نعيمه أو عذابه، منها قوله صلى الله عليه وسلم: "المسلم إذا سئل في القبر شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله"، فذلك قوله: "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة" .
أيضاً من النصوص القرآنية التي أشارت إلى عذاب القبر قول الله تعالى في فرعون وشيعته: "النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب" . أي أن فرعون وأتباعه يعرضون على النار في الدنيا أول النهار وآخره وهم في قبورهم، وكذلك يكون حالهم في الآخرة، إذ يقول الله تعالى لملائكة العذاب: أدخلوا فرعون وأتباعه إلى جهنم وبئس المصير . . وقد احتج بعض أهل العلم في ثبوت عذاب القبر بهذه الآية، وأكدوا أنها تدل على أن عذاب القبر في الدنيا، ودليل ذلك قول سبحانه عن عذاب الآخرة: "النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب" .

سؤال القبر

عالم السنة النبوية الأزهري، د .أحمد عمر هاشم، الرئيس الأسبق لجامعة الأزهر، عضو هيئة كبار العلماء، يرفض سفسطة غير المتخصصين في الحديث في أمور الدين بصفة عامة والتعرض للأمور الغيبية التي لا يدركها إلا أهل العلم الشرعي الصحيح بصفة خاصة، ويقول: لا ينبغي أبداً أن نشكك الناس في أمور راسخة في العقيدة الإسلامية، فسؤال الميت في قبره وما يلقاه من نعيم أو عذاب ليس من قبيل الأوهام والخرافات كما يظن أو يتوهم البعض من أدعياء الفكر والثقافة والذين يريدون إعمال العقل في كل شيء .
ويضيف: في مثل هذه الأمور الغيبية ينبغي أن نسلم بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، وإلى جانب بعض الآيات القرآنية التي تحدثت عن نعيم القبر وعذابه وردت أحاديث نبوية صحيحة، منها ما جاء في الصحيحين وغيرهما عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وأنه ليسمع قرع نعالهم -أي ليسمع حركة انصرافهم - أتاه ملكان فيقصدانه فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل؟ (أي في محمد صلى الله عليه وسلم؟) فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله . فيقال له انظر إلى مقعدك من النار . أي: إلى مقعدك الذي كنت ستعذب فيه لو لم تكن مسلماً - قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة فيراهما جميعاً" .
وفي الصحيحين أيضاً عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان من كبير - أي ما يعذبان من أجل شيء كبير في نظركم - ثم قال صلى الله عليه وسلم: بلى - إنه لكبير عند الله - أما أحدهما: فكان يسعى بين الناس بالنميمة . . وأما الآخر فكان لا يستبرئ من بوله، وفي رواية أخرى: وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله .
وجاء في البخاري ومسلم والنسائي أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يدعو الله تعالى بقوله: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال" .
وقد جاء في سنن الترمذي عن هانئ مولى عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: "كان عثمان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي، وتبكي عند وقوفك على القبر؟
فقال: إن القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه المسلم فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه كان ما بعده أشد منه" .
وهنا يؤكد د .هاشم أن ما جاء به القرآن وما أخبرتنا به الأحاديث النبوية الصحيحة عن أحوال القبر من حيث السؤال والنعيم والعذاب يجب علينا أن نؤمن به إيماناً تاماً كاملاً عميقاً حتى نكون ممن قال الله تعالى فيهم "أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم" .

نصوص واضحة

وينصح العالم الأزهري د .أحمد معبد، عضو هيئة كبار العلماء، كل مسلم بعدم الانشغال بالأمور الغيبية وعدم الاستماع فيما يتعلق بها إلى المرجفين والمشككين، ويقول: علينا أن نلجأ للعلماء المتخصصين لمعرفة حقائق الدين عامة، وعلينا أن نؤمن إيماناً عميقاً بنعيم القبر وعذابه، لأن الله تعالى قد أخبرنا بذلك في القرآن الكريم من خلال نصوص واضحة لا يفسرها التفسير الصحيح إلا العلماء وعن طريق رسولنا الكريم- صلى الله عليه وسلم- كما أشار العديد من الأحاديث النبوية .
سألت د .معبد: هل لنا أن نعرف كيف يكون هذا النعيم أو العذاب؟
قال: لا ينبغي أن يشغل المسلم نفسه بمعرفة كيفية هذا النعيم أو العذاب، لأن هذه الكيفية استأثر الله تعالى بعلم تفاصيلها . . وقد بيّن لنا القرآن الكريم أن الأشقياء سيشعرون بسوء عاقبتهم وهم في سكرات الموت، وأن السعداء سيحسون بحسن عاقبتهم وهم في اللحظات الأخيرة من حياتهم . قال تعالى: "ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون" . وقال سبحانه: "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون" .

الروح أم الجسد

لكن: هل نعيم القبر وعذابه يكون لروح الإنسان أم لجسده أم لهما معاً؟
هناك اجتهادات كثيرة في الإجابة عن هذا السؤال لكن ما عليه سلف الأمة وأئمتها أن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب، وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة، وأنها تتصل بالبدن أيضا، ويحصل معها النعيم أو العذاب ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى أعيدت الأرواح إلى الأجساد، وقام الأموات من قبورهم لرب العالمين، ومعاد الأبدان متفق عليه عند كل أتباع الأديان السماوية .
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن سؤال القبر يقع على الروح فقط من غير عود إلى الجسد، وخالفهم الجمهور فقالوا: تعاد الروح إلى الجسد أو بعضه كما ثبت في الحديث، ولو كان على الروح فقط لم يكن للبدن بذلك اختصاص، ولا يمنع من ذلك كون الميت قد تتفرق أجزاؤه لأن الله قادر على أن يعيد الحياة إلى جزء من الجسد ويقع عليه السؤال كما هو قادر على أن يجمع أجزاءه .
وينتهي عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر إلى نصيحة كل المسلمين بعدم الخوض أو الانشغال بتفاصيل الأمور الغيبية التي قد تدفع بعقل الإنسان غير المدرك للحقائق الدينية والأمور الغيبية إلى الشطط والانحراف .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"