عقوبة الشيك وأثرها الاقتصادي

04:20 صباحا
قراءة 3 دقائق

لن نخوض في الجدل الدائر بين الاقتصاديين والقانونيين حول إلغاء الحماية الجزائية للشيك أو من عدمه ولكن للمصلحة العليا والعامة علينا أن ننظر ما الفوائد الاقتصادية والاجتماعية التي سيجنيها المجتمع من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية في حالة إلغاء حبس الساحب .

فإذا تساءلنا لماذا تم تجريم اصدار الشيك الذي لا يمكن أن يقابله مبلغ مالي يغطيه بصرف النظر عن اسباب ارتجاع الشيك من دون صرف؟ فالاجابة تقودنا إلى أن الشيك كان يقوم مقام المبلغ النقدي المستحق الوفاء، والذي لا يمكن حمله بصورة دائمة سواء من الناحية الامنية أو الناحية العملية فلهذا جاء التشريع ليعطي لهذه الورقة أي (الشيك) الحماية الجنائية .

ولكن مع التطور الاقتصادي والتكنولوجي في التعاملات التجارية نجد أن تلك المبررات لم تعد موجودة للحماية الجنائية للشيك فبعد أن أصبح شيكاً مستحق الوفاء أصبح في معظمة شيك ضمان وما يؤكد ذلك أن بعض الجهات التجارية تقوم بإقراض الاشخاص وهي تساعدهم على تحرير الشيكات من دون أن يكون له مقابل .

وبالتطور التكنولوجي وأيضاً تحويل الشيك من أداء وفاء إلى ائتمان وما يشهده المجتمع من انعكاسات سلبية على حبس الساحب علينا إعادة النظر في الشق الجزائي للشيك . فبالنظر إلى ما أوردته بعض وسائل الإعلام حول أن عدد الشيكات المرتجعة خلال 6 النصف الأول من سنة 2011 بلغ 800 ألف شيك بقيمة 26 مليار درهم يبين أن اعتماد البعض على الشق الجزائي في حبس الساحب الذي يرتد شيكه ضماناً لحقوقه أدى إلى هذا المبلغ المهول، حيث إن المستفيد لو لم يضع في اعتباره هذه العقوبة بأنها كفيلة لحقوقه للجأ إلى ضمانات تجارية أكثر نجاعةً ولما امتلأت السجون بالمعسرين من الساحبين .

وهذا يقودنا إلى حقيقة أخرى أن حبس المعسر في قضايا الشيكات افرزت مشكلات اجتماعية واقتصادية أخرى منها أن حبس الساحب له تأثيرات اجتماعية سلبية في المجتمع ما يؤدي إلى تفككات أسرية إضافة إلى ارهاق ميزانية الدولة بتحملها تكاليف ملاحقة قضايا الشيكات وبناء المنشآت العقابية وغيرها، ويمكن الاستفادة من هذه الأموال في التنمية الاجتماعية والاقتصادية .

وهناك خطأ يقع فيه بعض عامة الناس ويشاطرهم بعض القانونيين، فرغم أن القانون اعطى مساحة من السلطة التقديرية للمحكمة الجزائية أن تحكم بين حبس الساحب في قضايا الشيكات والحكم عليه بالغرامة فضلاً عن البراءة إلا أن المستفيدين من الشيك يصرون بالحكم على الساحب بالحبس ويتجاهل هؤلاء أو يتجاهلون أن مطالبة حبس الساحب ليس من اختصاصهم أو حقاً لهم وأن عليهم فقط بالمطالبة بحقوقهم المالية كما رسمها القانون . ومن هنا نستلخص الآتي:

* علينا نشر الوعي بين أفراد المجتمع بأن عقوبة حبس الساحب ليس وجوبياً على المحاكم بصرف النظر عن قيمة الشيك ولا يمكن أن يكون ضماناً لأموالهم .

* الواقع العملي وما نشرته جريدة الخليج في عددها المشار إليه بأن لا طائل من عقوبة حبس الساحب وعلى المستفيد أن يبحث عن ضمانات أخرى تضمن حقوقه .

* الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية من حبس الساحب المدين أكثر سلبية على المجتمع من الناحية الاقتصادية والناحية الاجتماعية عندما نجنيه من حبس الساحب .

* إرهاق ميزانية الدولة نتيجة عدم التجاء البعض لضمان حقوقهم بطرق اقتصادية ناجعة واعتمادهم على حبس الساحب .

* إعطاء الساحب فرصة للسداد وهو خارج محبسه بدلاً من حبسه ليصبح عالة على المجتمع وخسارة أسرته , سيكون أكثر فائدة للمجتمع وأيضاً للمستفيد عن قيمة الشيك .

* معظم المحبوسين في فضايا الشيكات اجبرتهم ظروفهم المالية والحالة الاقتصادية إلى عدم السداد وليس لدوافع اجرامية وإن اختلاطهم مع محبوسين اَخرين قد يؤدي إلى تعلم هؤلاء المحبوسين جرائم جديدة ما ينعكس سلبياً على أمن المجتمع .

* إن إلغاء حبس الساحب سيجعل الاقتصاديين والقانونيين يبحثون عن طرق أكثر ضماناً لحصول المستفيد على أمواله من الاعتماد على حبس الساحب ولن نجد أنفسنا بعد ذلك أمام خسائر تقدر بعشرات المليارات من الدراهم سنوياً .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​محام ومستشار قانوني

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"