«اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي»

دعاء الانبياء
00:52 صباحا
قراءة 5 دقائق
الدعاء المستجاب
«وقال ربكم ادعوني أستجب لكم» (سورة غافر: الآية 60)، فالدعاء يصل الخلق بالخالق، ويعبر عن إيمان عميق بأن هناك إلهاً قديراً على كل شيء، بيده الأمر كله، يقدم المساعدة لمن يطلبها وفي أي وقت، بابه مفتوح لا يغلق في وجه أحد مهما عظم أو صغر، نلجأ إليه في كل وقت وخصوصاً في الشدة، ولكن كيف يكون الدعاء؟ له آداب وشروط حتى يتحقق، ولن نجد خيراً من الأدعية التي دعا بها الأنبياء، عليهم السلام ربهم، والتي وردت في القرآن الكريم، وفي صحيح سنّة المصطفى، صلى الله عليه وسلم. ولقد مر الأنبياء بمواقف صعبة لم ينقذهم منها إلا صدق دعائهم، حيث كانت لهم في هذه المواقف أنبل الكلمات وأجمل الألفاظ التي تجسد حسن التوسل ومناجاة الله وحده، ومن خلال هذه الحلقات نتعرف إلى المواقف التي تعرض لها الأنبياء الكرام وإلى الأدعية التي دعوا بها ونتعلم كيف يكون الدعاء.

«اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العُتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك».

توفي أبو طالب عم سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، الذي كان يحول بينه وبين أذى قريش وبعد مدة بسيطة توفيت زوجته الحبيبة خديجة التي كانت تخفف عنه وتنصره بمالها، وما أن فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذين النصيرين حتى أخذت قريش تزيد في إيذائه، ويصف محمد حسين هيكل في كتابه «حياة محمد» هذه الحال فيقول: «إن من أيسر ما تعرض له صلى الله عليه وسلم بعد أن فقد عمه وزوجته، أن يعترضه سفيه من سفهاء قريش فيرمي على رأسه تراباً، فيدخل بيته وتقوم ابنته فاطمة بمسح التراب عنه وهي تبكي، وهو يقول لها: «لا تبكي با بنية! فإن الله مانع أباك»، وكان يردد صلى الله عليه وسلم: «والله ما نالت مني قريش شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب»، وكثرت إساءات قريش من بعد ذلك حتى ضاق بهم ذرعاً».

أبناء عمرو بن عمير

خرج رسول الله إلى الطائف يلتمس من ثقيف النصرة ويرجو إسلامهم ويروي فضيلة الشيخ صفي الرحمن المباركفوري في كتابه «الرحيق المختوم» عن هذه الرحلة فيقول: «خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، وهي تبعد عن مكة نحو ستين ميلاً، سارها ماشياً على قدميه جيئة وذهاباً، ومعه مولاه زيد بن حارثة، وكان كلما مر على قبيلة في الطريق دعاهم إلى الإسلام، فلم تجب إليه واحدة منها.

فلما انتهى إلى الطائف قصد ثلاثة إخوة من رؤساء ثقيف، وهم عبد ياليل ومسعود وحبيب أبناء عمرو بن عمير الثقفي، فجلس إليهم ودعاهم إلى الله، وإلى نصرة الإسلام، فقال أحدهم: سوف أمرط ثياب الكعبة (أي يمزقها) إن كان الله أرسلك. وقال الآخر: أما وجد الله أحداً غيرك، وقال الثالث: والله لا أكلمك أبداً، إن كنت رسولاً لأنت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي أن أكلمك، فقام عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لهم: (إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني).
سفهاء ثقيف

«وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أهل الطائف عشرة أيام، لا يدع أحداً من أشرافهم إلا جاءه وكلمه، فقالوا: أخرج من بلادنا. وأغروا به سفهاءهم، فلما أراد الخروج تبعه سفهاؤهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به، حتى اجتمع عليه الناس، فوقفوا له سماطين (أي صفين) وجعلوا يرمونه بالحجارة، وبكلمات من السفه، ورجموا عراقيبه، حتى اختضب نعلاه بالدماء، وكان زيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى أصابه شجاج في رأسه، ولم يزل به السفهاء كذلك حتى ألجأوه إل حائط (بستان) لعتبة وشيبة ابني ربيعة على ثلاثة أميال من الطائف، فلما التجأ إليه رجعوا عنه، وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عريشة من عنب فجلس تحت ظلها إلى جدار. فلما جلس إليه واطمأن، دعا بالدعاء المشهور الذي يدل على امتلاء قلبه كآبة وحزناً مما لقي من الشدة، وأسفاً على أنه لم يؤمن به أحد، قال: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل عليّ سخطك، لك العُتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك».

ونجد في هذا الدعاء البديع وصف الحال من ضعف وحيرة ورغم كل ذلك فهناك يقين بقوة الله القادرة على أن تأخذ بيده وتنجده مما هو فيه وأيضاً الرضا بالقضاء، فمن موجبات قبول الدعاء التذلل لله وشكر نعمته والاستعانة به من دون أي أحد من الخلق.

العودة إلى مكة

ويرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق مكة بعد خروجه من الحائط كئيباً محزوناً كسير القلب، فلما بلغ قرن المنازل بعث الله إليه جبريل ومعه ملك الجبال، يستأمره أن يطبق الأخشبين على أهل مكة. ويروي البخاري تفاصيل القصة في صحيحه، فعن عروة بن الزبير: «أن عائشة رضي الله عنها حدثته أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد؟ قال: «لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عد كُلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت - وأنا مهموم - على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرْن الثعالب - وهو المسمى بقرْن المنازل - فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلم عليّ ثم قال: يا محمد، ذلك، فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين لفعلت (والأخشبان: هما جبلا مكة: أبو قبيس والذي يقابله، وهو قُعيقعان) قال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله عز وجل من أصلابهم من يعبد الله عز وجل وحده لا يشرك به شيئاً».

 
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"