باسم الرب تعالى

القسم الإلهي
03:56 صباحا
قراءة 3 دقائق

من أسرار البلاغة وفنون العلم التي جاءت في القرآن الكريم، ويجدر بكل مسلم التفكر فيها، والتدبر في معانيها، القَسم في القرآن. والمتتبع لآيات القسم في القرآن الكريم يجد أن الله سبحانه أقسم في بعضها بذاته الموصوفة بصفاته وأقسم بآياته ومخلوقاته وبمظاهر الكون، ويوم القيامة، لتهيئة السامع، وإعداده إعداداً صالحاً لما يأتي بعد القَسم.

يأتي ذكر القسم تأكيداً، لا سيما والقرآن أنزل بلغة العرب، الذين عهدوا على إثبات مطالبهم بالحلف واليمين والقسم، إذ كانوا يقطعون كلامهم بالقسم، بهدف تحقيق الخبر وتوكيده.

قوله تعالى «فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ» هو القسم الثالث في سورة الذاريات، وما سبق هذه الآية هو لفتة إلى آيات الله في الأرض وفي الأنفس، وتوجيه إلى السماء في شأن الرزق المكتوب والحظ المقدور تختم بقسم عظيم. قسم الله سبحانه بذاته بوصف (رب السماء والأرض) اللتين ورد ذكرهما في هذا المقطع، على أن هذا القول الذي جاءهم من عنده حق اليقين.

أقسم سبحانه أعظم قسم بأعظم مقسم به، على أجل مقسم عليه وأكد الإخبار بهذا القسم، ثم أكد بتشبيهه بالأمر المحقق الذي لا يشك فيه ذو حاسة سليمة.

وفى الحديث «إنه لحق كما أنك هاهنا»، شبه سبحانه تحقيق ما أخبر به بتحقيق نطق الآدمي ووجوده، والواحد منا يعرف أنه ناطق ضرورة، ولا يحتاج النطق إلى استدلال على وجوده، ولا يخالجه شك في أنه ناطق، فكذلك ما أخبر الله عنه من أمر التوحيد، والنبوة، والمعاد، وأسمائه، وصفاته حق ثابت في الأمر نفسه، يشبه بثبوت نطقكم ووجوده، وهذا باب يعرفه الناس في كلامهم، يقول أحدهم: هذا حق مثل الشمس.

وهنا أمر ينبغي التفطن له، وهو أن الرب تعالى شهد بصحة ما أخبر به، وهو أصدق الصادقين، وأقسم عليه، وهو أبر المقسمين وأكده بتشبيهه بالواقع الذي لا يقبل الشك بوجه، وأقام عليه من الأدلة العيانية والبرهانية ما جعله معايناً مشاهداً بالبصائر، وإن لم يعاين بالأبصار، ومع ذلك فأكثر النفوس في غفلة عنه لا تستعد له، ولا تأخذ له أهبة.

يقول محمد هشام الشربيني في كتابه «بهذا أقسم الله»: يقسم المولى لنبيه بربه، أي بذاته العلية، على مصير العصاة «وقل إني أنا النذير المبين، كما أنزلنا على المقتسمين، الذين جعلوا القرآن عضين، فوربك لنسألنهم أجمعين، عما كانوا يعملون، فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين، إنا كفيناك المستهزئين، الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر فسوف يعلمون، ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون، فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين»، سورة الحجر، 89-99.

وقوله «وقل إني أنا النذير المبين» تلك المقولة التي قالها كل رسول لقومه، ومنهم بقايا الأقوام التي جاءها أولئك الرسل بتلك النذارة البينة التي جئت بها قومك، وكان منهم في الجزيرة العربية اليهود والنصارى.. ولكن هذه البقايا لم تكن تتلقى هذا القرآن بالتسليم الكامل، إنما كانت تقبل بعضه وترفض بعضه، وفق الهوى ووفق التعصب وهؤلاء هم الذين يسميهم الله هنا:«المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين» ولكن الخطاب بالقرآن كان عاماً للبشر، ومن البشر هؤلاء المقتسمون الذين جعلوا القرآن عضين، والعضة هي الجزء، من عضى الشاة أي فصل بين أعضائها، وهم مسؤولون عن هذه التفرقة.

والرسول صلى الله عليه وسلم بشر لا يملك نفسه من أن يضيق صدره وهو يسمع الشرك بالله، ويسمع الاستهزاء بدعوة الحق، فيغار على الدعوة والحق، ويضيق بالضلال والشرك. لهذا يؤمر بأن يسبح بحمد ربه ويعبده، ويلوذ بالتسبيح والحمد والعبادة من سوء ما يسمع من القوم. ولا يفتر عن التسبيح بحمد ربه طوال الحياة، حتى يأتيه اليقين الذي ما بعده يقين.. الأجل.. فيمضي إلى جوار ربه الكريم: «ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين» ويكون هذا ختام السورة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"