التجريب في الشعر

04:40 صباحا
قراءة دقيقتين
علاء الدين محمود

تبدو قضية التجريب في الشعر شائكة بعض الشيء، لكونها مسوّرة بالكثير من الهواجس، والتحفظات المتعلقة بمكانة الشعر في العالم العربي، فبعكس الأجناس الإبداعية الأخرى مثل السرد، يتفرد الشعر بموقع شديد الالتصاق بحياة العربي منذ آلاف السنين، حتى أطلق عليه «ديوان العرب»، الذي يروي ويحكي عن التاريخ، والحياة العربية، بالتالي صار أشبه بالحالة التي لا يمكن الاقتراب منها إلا وفق محاذير كثيرة، بعكس المسرح، أو الرواية، مثلاً، والتي هي حديثة العهد في الثقافة العربية، لذلك ظلت هذه الأجناس دائماً تخضع لعملية التجريب، وكسر قوالبها التقليدية، وهذا هو المراد من عملية إدخال الجنس الأدبي المعين في مختبر التجريب، حيث تتولد منه أنماط جديدة.

والواقع أن التجريب في الشعر، أنتج بالفعل أشكالاً جديدة في الشعر مثل «الهايكو»، في اليابان، والقصيدة الومضة، وغيرها من الأنواع الجديدة التي تؤكد اشتغال تجريبي متواصل، من أجل إيجاد أفق جديد، والمفارقة تكمن في أن المبدعين الشباب نهلوا من تلك التجارب الجاهزة من دون اشتغال على القصيدة العربية.

لقد كان الانتقال من القصيدة العمودية التقليدية إلى شعر التفعيلة، والنثر، محفوفاً بالمصاعب، ولا يزال البعض ينظر إلى ذلك بنوع من الاستهجان، ويعتبره تعدياً على الشعر العربي، فقد كانت معركة بكل معنى الكلمة، تلك التي تحررت فيها القصيدة من قيود البحور الخليلية القديمة، وقد ظلت هذه القضية مؤرقة للكثيرين، فالابتكار هو نوع من كسر الجمود بحثاً عن رحابة أوسع.

إن الاندفاع نحو التجريب من قبل الشباب على مستوى الرواية، والقصة، قد أنتج بالفعل أشكالاً وتجارب جديدة، ومختلفة، بغضّ النظر عن قيمتها، ولكنها تأتي متسقة مع ضرورة ابتكار، وقول جديد، لأن الأنواع الإبداعية السردية متحررة من حساسية معظمنا تجاه الشعر، وكانت النتيجة أن الكثير من الشباب توجهوا نحو كتابة الرواية، ووظفوا فيها أدواتهم الشعرية، وهذا ما يفسر وجود عدد كبير من الروايات بلغة شاعرية.

لكن، على العموم، فإن تاريخ الشعر في الثقافة العربية لا يخلو من لحظات تم فيها نوع من التجريب، خاصة عند الالتقاء بثقافات أخرى، فشعر الموشحات في الأندلس عبّر عن تجريب وتطوير يتناسبان مع مرحلة معينة، وواقع معين، فالشعر تجربة جماليةن وفكرية، ولابد له أن يحظى بقدر من التطور، والابتكار، لتكون العبارة الشعرية قادرة على استيعاب حركة الحياة، ومتصالحة مع التطور.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

صحفي وكاتب سوداني، عمل في العديد من الصحف السودانية، وراسل إصدارات عربية، وعمل في قنوات فضائية، وكتب العديد من المقالات في الشأن الثقافي والسياسي، ويعمل الآن محررا في القسم الثقافي في صحيفة الخليج الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"