موت القصة القصيرة

01:49 صباحا
قراءة دقيقتين

علاء الدين محمود

كثيراً ما يتم تعريف بعض الروائيين بأنهم قد بدأوا مسيرتهم في الكتابة الإبداعية كتّاباً للقصة القصيرة، وكأن هذا الفن الإبداعي منصة انطلاق أو عتبة في مشوار المؤلف المشتغل بالسرد، وهذه نقطة تبدو غريبة لكنها واقعية خاصة في عالمنا العربي الذي يشهد فيه الكتاب، في مجال السرد، هجرة كبيرة من فن القصة إلى الرواية التي سطعت شمسها بقوة وصارت أكثر جذباً للقراء من بقية الفنون السردية الأخرى، وهو الذي جعل البعض يظن، بل ويظن أن القصة القصيرة في طريقها لإعلان النهاية والموت لمصلحة الرواية.

الواقع أن هنالك، في العالم العربي، فتنة كبيرة بأدب النهايات الذي انتشر بصورة كبيرة في العصر الحديث، مثل: موت المؤلف، موت الناقد، موت الأيديولوجيا، نهاية التاريخ، وغير ذلك من صيغ ومقترحات تريد أن تضع حداً لإحدى المجالات الإبداعية فتحكم عليه بالموت، والواقع أن أدب النهايات الذي انتشر كالنار في الهشيم في فترة من الفترات في الغرب، قد تعرض للكثير من المراجعات النقدية والفكرية، إلى حد التخلي عن ذلك الأمر، حيث يتعزز وجود النقد، كما أن المؤلف لا يزال موجوداً بكل سطوته، لكن تلك المراجعات في ما يبدو شأناً غربياً لم يجد حظاً من التداول في العالم العربي بصورة كبيرة.

والواضح أن القصة القصيرة كفنٍّ، لا يزال يجد قبولاً كبيراً لدى الكتاب والقراء معاً، وتجدر الإشارة هنا إلى المكانة المميزة للقصة القصيرة في العالم العربي، فقد مارس المؤلفون كتابة هذا النمط الأدبي منذ وقت باكر، وهنالك العديد من الكتاب الذين برعوا فيه بصورة كبيرة، وهو من أنواع الكتابة التي تتميز بالصعوبة، حيث إن الموضوع أو الفكرة يتم التعبير عنها بصورة مكثفة ومختزلة، وهذا يتطلب مقدرة خاصة لا تتوفر في أي كاتب، بل تحتاج إلى قدرات خاصة، فالمؤلف المختص في القصة القصيرة لا يصل إلى درجة الإجادة والنضج، إلا بعد تجارب طويلة في الكتابة، ويبدو ذلك الأمر أكثر وضوحاً في الغرب حيث تعددت أشكال وأنواع القصة من قصيرة إلى قصيرة جداً، وغير ذلك من الأنماط القصصية، وهنالك الكثير من الشباب العرب الذين أقبلوا على كتابة تلك الأشكال، بل إن العديد من الروائيين وكتّاب القصة، باتت تغريهم تلك الأنواع الجديدة في الكتابة القصصية.

البعض من النقاد والكتّاب والمثقفين العرب، يظنون أن توسع الرواية وهيمنتها يجعل من موت القصة مسألة وقت، وهذا خلل كبير في طريقة التفكير، وهناك من لا يتقبل حياة جنس أدبي إلا بموت آخر، في حين أن من الممكن أن تنتعش جميع الأجناس الأدبية في ذات الوقت، دون أي داع لإعلان خبر وفاة القصة أو الشعر، فمقولة «موت القصة» يحتاج إلى تمحيص أكبر وقراءة موضوعية وعميقة، ورصد علمي يبتعد عن الانطباعية السائدة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/y488p9z3

عن الكاتب

صحفي وكاتب سوداني، عمل في العديد من الصحف السودانية، وراسل إصدارات عربية، وعمل في قنوات فضائية، وكتب العديد من المقالات في الشأن الثقافي والسياسي، ويعمل الآن محررا في القسم الثقافي في صحيفة الخليج الإماراتية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"