الدعم الاجتماعي ورهانات التنمية

03:01 صباحا
قراءة 3 دقائق
د.إدريس لكريني

تمكّن العالم منذ بداية التسعينات من القرن الماضي، من تخفيض عدد الأشخاص الذين يعانون الفقر المدقع إلى حوالي النصف.

رغم الجهود الدولية المبذولة لتخفيض معدلات الفقر، والتي قطعت أشواطاً تمكّن معها العالم من تخفيض نسبته بشكل ملحوظ خلال العقود الثلاثة الأخيرة، فإن عدداً من سكان البلدان النامية ما زالوا يعيشون على أقل من دولارين يومياً، ويعانون الكثير من الصعوبات بفعل افتقارهم إلى مجموعة من مقوّمات العيش التي تضمن كرامتهم وإنسانيتهم، وتتضاعف المعاناة في هذا السياق داخل الدول الهشّة، وفي مناطق الحروب والأزمات.

تشير الأرقام والمعطيات إلى أن زهاء 42 % من سكان جنوب الصحراء في إفريقيا يعيشون تحت خط الفقر، فيما يعاني هذه المعضلة أكثر من 780 مليون شخص على امتداد مناطق مختلفة من العالم.

لا يرتبط الفقر بانعدام دخل منتظم، بل يتجاوز ذلك إلى مختلف الصعوبات المتصلة بسوء التغذية، وعدم الاستفادة من الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والربط بالكهرباء والماء الشروب.

منذ تأسيسها عام 1945، جعلت الأمم المتحدة من مكافحة الفقر إحدى أهم أولوياتها، اقتناعاً منها بالانعكاسات السلبية التي تمثلها الظاهرة إلى جانب أسباب أخرى على مستوى تهديد السلم والأمن الدوليين بمفهومه الإنساني الشامل.

أدرجت الأمم المتحدة القضاء على الفقر ضمن إحدى الأولويات ال 17 لخطة التنمية المستدامة لعام 2030، ودعت إلى حشد الجهود وتجنيد الموارد من مختلف المصادر في هذا الصدد، معتبرة أن تحقيق التنمية المستدامة، يظلّ مشروطاً بالسعي للقضاء على هذه الآفة.

جاء في عقد الأمم المتحدة للقضاء على الفقر (2008 - 2017) أن الأمر يمثّل أحد أكبر التحديات التي تواجه العالم بأسره، وهو شرط أساسي للتغلب على مختلف العوائق التي تتهدّد تحقيق التنمية الإنسانية، مع تأكيد أهمية الوقوف على مختلف العوامل التي تغذّيه، بدل التركيز على التعاطي مع تجلياته ونتائجه، وعلى تعزيز السياسات والاستراتيجيات الوطنية، لتحقيق التنمية، والقضاء على الفقر.

وبحسب معطيات أوردتها منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، تمكّن العالم منذ بداية التسعينات من القرن الماضي، من تخفيض عدد الأشخاص الذين يعانون الفقر المدقع إلى حوالي النصف، فيما يعيش حوالي 767 مليوناً على أقل من 1.90 دولار في اليوم الواحد، بحسب إحصائيات أخرى أصدرها البنك الدولي عام 2012.

وعياً بخطورته على مسارات التنمية، وتداعياته على السّلم الاجتماعي، أصبح الحدّ من الفقر يشكّل هاجساً بالنسبة لكثير من الدول، حيث تمّ اعتماد مجموعة من السياسات والبرامج الاجتماعية في هذا الخصوص، ومع حلول عام 2016، استفاد زهاء 45 % من سكان العالم من معونات مالية، تندرج ضمن نظم الحماية الاجتماعية.

يستعدّ المغرب لإصدار قانون يتعلق باستهداف المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي، ضمن منظومة شاملة، تستند إلى ثلاثة مرتكزات أساسية، تتمحور حول إحداث سجل وطني للسكان، ووضع سجل اجتماعي موحّد، وإحداث وكالة وطنية للسجلات.

تأتي هذه الخطوة التي تستلهم مضمونها من بعض التجارب الدولية الرائدة في هذا الشأن، في سياق مجموعة من المبادرات الاجتماعية المتخذة للحد من الفقر، كما هو الشأن بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ونظام المساعدة الطبية، وبرنامج «تيسير»، ودعم الأرامل والمطلقات.

ينحو هذا التشريع الذي من المرتقب أن يرى النور قريباً، إلى مأسسة عملية الدعم الاجتماعي في إطار من التكامل، وضبط عمليات استهداف المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي، والحدّ من استفادة بعض الفئات الميسورة والشركات من دعم صندوق المقاصة، لأثمنة عدد من المواد الأساسية التي يستهلكها المغاربة.

أفرزت هذه الخطوة نقاشات واسعة داخل البرلمان، وفي أوساط عدد من المجالس الاستشارية وعدد من فعاليات المجتمع المدني، والنخب الأكاديمية، ما سيسهم في إغناء المشروع بعدد من المقترحات والتصورات.

ومن ضمن الملاحظات التي أثيرت على سبيل تعميقه وتطويره، تمّت الدعوة إلى فتح المزيد من النقاشات العمومية بصدد مضامينه، فيما اعتبر البعض أن الوكالة الوطنية للسجلات، وبدل أن تكون مجرد آلية لتجميع المعطيات، يمكن تعزيزها بتمثيلية مدنية وأكاديمية تدعم أداءها ونجاعتها.

إن ضمان الفعالية والنجاعة لهذه المنظومة، يقتضي إرساء برامج تقنية متطوّرة في مستوى الطموح، ومقتضيات المشروع، وتنظيم تدريب للأطر المشرفة على البرنامج، وتوجيه إرشادات وافية للمعنيين بخدماته، علاوة على اعتماد المراقبة والمواكبة، والتقييم المستمر لمسار البرنامج. وأخيراً، يمكن القول إن اعتماد هذه المنظومة كتدبير مرحلي، لا يمكن أن يحلّ بأي شكل من الأشكال محلّ البرامج التنموية الاقتصادية والاجتماعية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"