تطوّر عمليات حفظ السلام

03:37 صباحا
قراءة 3 دقائق
د.إدريس لكريني

منذ تأسيسها عام 1945 جعلت الأمم المتحدة من المحافظة على السلم والأمن الدوليين أحد أسمى أهدافها، لكنها تصطدم في سبيل تحقيق ذلك بالعديد من الصعوبات، سواء على المستوى الوقائي أو العلاجي، كان أهمّها ظروف الحرب الباردة التي حالت دون تطبيق نظام الأمن الجماعي في عدد من الحالات الدولية تنطبق عليها المادة 39 من الميثاق الأممي.
وسعياً لتجاوز هذه الإكراهات، قامت المنظمة بالبحث عن سبل جديدة لتجاوز شلل مجلس الأمن، باعتباره المسؤول عن حفظ السلم والأمن الدوليين ودعامة نظام الأمن الجماعي، وهو ما نجم عنه إحداث عمليات لحفظ السلام في مناطق مختلفة من العالم.
وكانت هذه العمليات التي أثبتت قدرتها وجدارتها في احتواء وتدبير العديد من الأزمات والمنازعات الدولية، وأسهمت بشكل كبير في تعزيز السلم والأمن الدوليين، قد تطورت بشكل ملحوظ في أعقاب نهاية الحرب الباردة من حيث آلياتها ومجالات تدخلها بعدما تمكن المجلس من تنويع وتوسيع هذه العمليات على أثر استعادة حيويته، وتحرره من الانقسام الحاد الذي عانى منه زهاء نصف قرن.
وفي الوقت الذي تزايدت فيه الحاجة إلى هذه العمليات مع تصاعد حدة المنازعات الدولية وتنوعها وتعقدها خلال العقود الثلاثة الأخيرة، برزت عدة مشاكل أثّرت سلباً في مردوديتها.
ألقت الحرب الباردة بظلالها القاتمة على مهام الأمم المتحدة، ما أحدث جموداً واضحاً وشللاً شبه تام في أداء مجلس الأمن، بعدما تنامى استخدام حق الاعتراض (الفيتو)، الأمر الذي ظلت معه الكثير من القضايا والنزاعات عرضة للتطور، ولحسابات قطبي الصراع، الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفييتي (سابقاً)، ولتجاوز هذه الوضعية التي عطّلت مهام المنظمة لسنوات، قامت هذه الأخيرة بالبحث عن سبل جديدة لتجاوز شلل مجلس الأمن، وتمحورت الإجراءات التي ابتدعتها الأمم المتحدة في هذا السياق، حول خيارين اثنين.
الأول، يتعلق بتطوير وتدعيم دور الجمعية العامة في مجال المحافظة على السلم والأمن الدوليين من خلال خلق فرع ثانوي لهذه الجمعية يحمل اسم «الجمعية الصغرى» بناء على مقتضيات المادة 22 من الميثاق.
والثاني، يرتبط بنشر عمليات لحفظ السلام في مناطق مختلفة من أرجاء العالم، ويتعلق الأمر بقوات تتشكل من أفراد مدنيين وغير مدنيين من جنسيات مختلفة، تناط بهم مهام حفظ السلم في مناطق التوتر والأزمات، بإشراف من مجلس الأمن، وتتمحور مهام هذه القوات عادة في دفع الدول المتنازعة نحو احترام الاتفاقيات المبرمة وتنفيذها.
تشير الأمم المتحدة إلى أنه منذ عام 1948 عندما تم نشر مراقبين عسكريين غير مسلحين في بعثة لمراقبة اتفاقية الهدنة بين «إسرائيل» ودول عربية، شارك أكثر من مليون رجل وامرأة ضمن هذه العمليات تحت راية الهيئة، وهي العمليات التي لم تخل من صعوبات ومخاطر، كلفت أكثر من 3500 شخص حياتهم دفاعاً عن السلام عبر العالم. وتقديراً لجهودها في هذا الخصوص رغم ظروف العمل الصعبة والمعقّدة في مناطق التوتر، حصلت هذه القوات عام 1988 على جائزة نوبل للسلام.
وتشرف إدارة عمليات السلام التابعة للأمم المتحدة حالياً على حوالي أربع عشرة عملية في مناطق مختلفة من العالم في ثلاث قارات (إفريقيا وآسيا وأوروبا).. وتشير الممارسات الميدانية إلى أن إحداث هذه العمليات، يتم بموجب الفصل السادس من الميثاق، أي في إطار التسوية السلمية للمنازعات.
خلال الحرب الباردة، اقتصرت القوات المشاركة في هذه العمليات على الدول غير دائمة العضوية في مجلس الأمن، تلافياً لبروز خلافات بين هذه الأخيرة، بما قد تؤثر سلباً على مهامها، وغالباً ما كانت تباشر مهامها أيضاً بناء على رضى الأطراف المتنازعة، فيما ظلّ تسليحها يتمّ فقط بالقدر الذي يمكنها من مباشرة وظائفها، وتحقيق الأهداف الملقاة على عاتقها.
أدى انتهاء الحرب الباردة إلى حدوث تحوّل جوهري في أداء هذه العمليات، بعدما سعى مجلس الأمن إلى تنويعها وتوسيعها، حيث امتدت إلى مناطق مختلفة من العالم، وطالت مجالات جديدة، لتشمل فرض سيادة القانون والإدارة المدنية والتنمية الاقتصادية وحماية حقوق الإنسان، تبعاً لطبيعة النزاعات وخطورتها.
وفي الوقت الذي باتت فيه الحاجة ملحّة لهذه العمليات، مع تنامي المنازعات الدولية وتنوّعها وتعقّدها، برزت عدة صعوبات أثّرت بصورة سلبية على مردوديتها وفعاليتها، تباينت بين ما هو مالي، نتيجة للتكاليف المرتفعة من جهة وتخلف عدد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة عن تسديد مستحقاتها من الحصص المالية المحددة لها ضمن ميزانية الأمم المتحدة، أو ما هو عسكري، متصل بضعف الإمكانيات والآليات العسكرية المتاحة لهذه القوات ما يجعلها معرضة لعدد من المخاطر، أو ما هو معلوماتي مرتبط بهشاشة منظومتي الاتصال وسبل استقاء المعلومات، مقارنة مع تعقّد النزاعات وتصاعدها المتسارع والفجائي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"