هجرة العقول بنظــرة مختلفــة

04:35 صباحا
قراءة دقيقتين
عبد اللطيف الزبيدي

ما رأيك في اغتنام مناسبة السنة الهجرية، لقول كلمة عابرة في هجرة العقول؟ الفرصة ملائمة، لأننا لو طرحنا هذا الموضوع في غير هذه الذكرى،كنزف لا ينضب له معين، على مدى السنين، لقفز قافز، أو لكز لاكز، أو همز هامز، أو ناخز أو واخز أو لامز: ما لكم تتحدثون عن هجرة العقول وكأنها مأساة؟ الدول المتقدمة تفتح للمواهب أحضان النعيم، وتريدون أن يظلوا حيث التخلف وانعدام الفرص، زد على ذلك القمع وكمّ الأفواه من غير كورونا، ولكن فيروس الاستبداد لئيم. بعضهم يرى أنها استجابة للآية: «ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها» (النساء97).
دعنا ننظر إلى الملمّة من زاوية مختلفة. إذا كانت العقول الفذة والعبقريات الفريدة والمواهب الوهاجة، هي أعظم ثروات الشعوب والأمم، فما هي الصفة الدقيقة التي تنطبق على الأنظمة التي تفرط في أثمن كنوزها، لتثري بها الجبابرة؟ لا، بل تقول في نفسها: الثناء على الخواجات، لقد أراحونا من بؤر الصداع التي تطالبنا بالتنمية والبحث العلمي، وبذلك نفتح على أنفسنا أبواب جهنم حريات الفكر والرأي والتعبير.
من هذه الزاوية يصبح الإحجام عن إطلاق التنمية الشاملة، جريمة لا تغتفر في حق الأوطان. وراء هذه الأكمة من تجاهل القيم الوطنية، تكمن حماقة اقتصادية في إمكان أنظمة طبائع الاستبداد استغلالها، وهي أن التنمية أوفر عائدات. عند انطلاقة كوريا الجنوبية على طريق التنمية الشاملة، قالها النظام صراحة: ليكن الانفتاح الاقتصادي بلا حدود، لكن الحريات السياسية والإعلامية ستكون محدودة. كيف عجز النظام العربي عن صنع شيء كهذا، بينما في ميراثنا تحف فريدة مثل نموذج «المستبد العادل»، دام ظله العالي؟ في الصين، حذار الاقتراب من عرين الحزب الشيوعي، فإنه يعض وينهش ويهشم العظام، ويعين فخامة شي جين بينج مدى الحياة، لكنه يبدع تنمية قياسية. فخامة فلاديمير بوتين، مثله أو هو شيء منه، مدى الحياة تقريباً. الصينيون النوابغ تعج بهم الجامعات الأمريكية والغربية، ولكنهم يعودون بعد «الامتلاء»، لأن كل فراديس التألق متاحة على أطباق من ذهب، وقد فرش التنين دروب مستقبلهم بورود الأمل في أن يكونوا رواد حضارة الغد.
لزوم ما يلزم: النتيجة القطعية: هجرة عقول الصينيين مضمونة المردود، لأن وطنهم جاذب لهم، أما هجرة عقول العرب فمأساة لأن أوطانهم تطردهم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"