محمد سعيد القبيسي
للإدمان أوجه عديدة، فبعض الناس مدمنون على الأطعمة غير الصحيَّة وآخرون على شرب السجائر أو غير ذلك من العادات السلبية التي تدمّر صحة الإنسان الجسمانية أو العقلية أو النفسية، ولا يقلُّ عنهم إدماناً أولئك الأشخاص الذين يمكننا أن نصفهم بأنهم «مدمنون على النجاح»، تراهم يعملون بلا توقف ليل نهار، واضعين نصب أعينهم تحقيق إنجازات عظيمة لم يسبقهم إليها أحد، ويقدّمون من أجل غايتهم تلك كل ما يملكونه من وقت وجهد.
إن ذاك الشغف الذي يدفعهم لمواصلة العمل مهما كانت التحديات التي تواجههم والعقبات التي تعترض طريقهم، ليس عيباً بل هو خصلة نادرة في البشر، فليس في الناس كثيرون ممَّن هم على استعداد للكفاح والتضحية وصولاً إلى الهدف المنشود، لكن عندما يزيد ذاك الشغف عن حدّه فيستحوذ على فكر صاحبه وقلبه يصبح بلا شك وبالاً عليه.
صحيح أن العالم يذخر بقصص لانهائية لأشخاص وصلوا إلى أعلى المناصب وحقَّقوا ثروات فلكية، غير أن كثيراً منهم فشلوا فشلاً ذريعاً على جميع الصعد الأخرى؛ فشلوا في بناء أسرة سعيدة متحابَّة واستنزفوا في سبيل أهدافهم صحتهم الجسدية وخسروا أعزَّ أصدقائهم لأنهم لم يكن لهم شاغل في الدنيا سوى ذواتهم والسعي لتحقيق أهدافهم، دون أن يتوقَّفوا حتى ليستمتعوا بنجاحاتهم ويشاركوا أحبَّتهم أجمل لحظاتهم.
فهل يستحق مثل هذا النجاح كل هذا الفشل، ألا يجدر بالواحد منَّا أن يتأمَّل قليلاً فيما إذا كانت تلك هي الحياة التي يريد أن يحياها، وهل النجاح الحقيقي أن تكون عبداً لأحلامك وأسيراً لطموحاتك الشخصية، لا ترى في الوجود شيئاً سواها؟!
كم من الجميل أن نطمح للنجاح ونسعى إليه بكل ما أوتينا من عزم وقوة، لكن أن نجعل من أنفسنا أدوات له، فتلك هي العبودية والفشل الذريع، وكما يقول المثل العربي: «إذا زاد الشيء عن حدّه انقلب ضده»، فما أحلى نجاحاً نشاركه كل من نحبُّ؛ نجاحاً صحيَّاً ومادياً وأسرياً وفي جميع جوانب حياتنا، فالحياة ليست مجرد أوراق نقدية ومناصب مرموقة وزخارف مادية ونجاحات شخصية لا تنتهي، بل هي أعمق من ذلك بكثير.