زوج على الرف

03:32 صباحا
قراءة دقيقتين

محمد سعيد القبيسي

خرجت من غرفتها إلى صالة الجلوس المكتظة بالشهادات الأكاديمية والتدريبية وجوائز التكريم - المعلّقة على الحوائط - التي حصلت عليها خلال مسيرة حياتها، ثم وضعتها أمام ناظريها، وسألتهم أن ينادوها «أمي» «أمي».
أما قصة هذه المرأة فتبدأ من يوم أنهت دراستها الثانوية، حيث تقدّم لخطبتها وقتها ابن عمها، غير أنها رفضته بحجة أنها تريد إكمال دراستها، وخلال سنوات الدراسة الجامعية تقدّم لها أحد أقاربها، لكنها رفضته أيضاً بداعي رغبتها في نيل شهادة البكالوريوس، واستمرت الحكاية على المنوال ذاته، يتقدّم لها أحدهم وترفضه بحجة الماجستير ثم الدكتوراه، ثم بعد ذلك بسبب الانخراط في الحياة العملية والرغبة في الوصول إلى أعلى المراتب والمناصب الوظيفية.
وبقيت على ذاك الحال إلى أن استيقظت صبيحة يوم، فتجهّزت وخرجت باتجاه مقر عملها، وما إن وصلت حتى دخلت مكتبها فوجدت رسالة لـمّا فتحتها عثرت بداخلها على رسالة شكر وتقدير، مصحوبة بقرار إحالتها إلى التقاعد.
بعد كل تلك السنوات الطوال والجهد الكبير الذي بذلته، استعادت شريط حياتها وكأنها كانت بالأمس فحسب تلك فتاة صغيرة بعمر الياسمين، وهي الآن تقف على مشارف الستين من عمرها.
عادت إلى بيتها مساء ذلك اليوم، واعتكفت داخله وحيدة لمدة يومين متتاليين، لم يردها خلالهما أي اتصال من صديقة أو زميلة أو أحد ممن كانت تعرفهم، بعد أن كان حياتها فيما مضى تضجّ بالأصدقاء والندوات وورش العمل والسفر حول العالم، أما الآن فقد باتت وحيدة تماماً.
فها قد تزوجت أخواتها وقريباتها وإخوانها، وحتى معظم صديقاتها، وودعت والدتها ووالدها الحياة بعد أن كانا يرجوانها أن تتزوج ليفرحوا بها وبذريتها.
في تلك اللحظات، شعرت بأن كل ما حققته غدا بلا قيمة أو معنى، فندمت على تلك السنوات التي قضتها وهي تؤجل مشروع الزواج الذي لم يكن من ضمن أولوياتها.
الشاهد من هذه القصة، هو أن الكثير من فتياتنا اليوم يرفضن الزواج أو يؤجّلنه معتقدات أنه مجرد ملف يمكن وضعه على الرف لفترة من الزمن، ثم أخذه متى أردن. لكن مشروع الزواج لا يمكن تأجيله؛ فعندما يتقدّم رجل صاحب أخلاق ودين ولا يعيبه شيء فقد لا تتكرر الفرصة ثانية في حال رفضت الفتاة الزواج.
لا شك أن المرأة نصف المجتمع، وأننا بأمسّ الحاجة لها في مختلف المجالات، لكننا في الوقت ذاته بحاجة كبيرة إلى أمهات تعتني بالأجيال القادمة وتنشّئها تنشئة صالحة. ولا ضير في أن تواصل الفتاة رحلة النجاح؛ فتدرس وتعمل وتسعى لتحقيق أي إنجازات تطمح لها دون تأجيل مشروع الزواج. لأنه في أواخر العمر لن تساوي الشهادات والإنجازات شيئاً في مقابل زوج محبّ وأبناء يملؤون وجود المرأة بالسعادة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"