تصوير زوجة

02:03 صباحا
قراءة 3 دقائق
أبوظبي: آية الديب

تحفل ساحات المحاكم وحياة الأطراف التي تلتقي فيها بقصص تعكس في جانب منها الصراعات القديمة المتجددة بين الخير والشر، بين الطمع والقناعة، بين نفوس ترتوي بظلم الآخرين وأخرى تنفق شهوراً، وربما العمر كاملاً، بحثاً عن حق. في تفاصيل هذه الصراعات تحاول العدالة ما استطاعت أن تكون صاحبة الكلمة العليا لتستقيم الدنيا، وفي ثنايا المواجهات بين الأطراف المتخاصمة تتدفق المفاجآت والعبر.
استقبل مكالمة هاتفية من صديقه الذي يحاول التواصل معه ولقاءه خلال الأشهر القليلة الماضية لكنه يتهرب منه، معللاً ذلك بالانشغال والإنهاك في العمل، وأبلغه صديقه أنه مريض ويحتاج لمساعدته فوراً. لم يتردد في تلبية نداء رفيق عمره وترك عمله وقرر الذهاب إليه وحينما وصل وجده سليماً معافى لا يعاني من أية أعراض لمرض أو آلام، وأدرك أن صديقه أخبره بذلك فقط لأنه يريد لقاءه ليجد رداً على تساؤلاته الخاصة بتهربه منه.
هدأ وجلس مع صديقه في أحد المقاهي وأكد له أنه لا توجد أي مشكلة تجاهه أو تجاه أصدقائهما الآخرين وأنه خلال الفترة الماضية مر بمشكلات عائلية تجعله يشعر كأنه في حلم يريد الاستيقاظ منه.. سكت للحظات ثم قرر أن يحكي لصديقه فربما ينصحه أو يخفف عنه العبء الذي أثقل كاهله.
قال: أصابني حبها دون سابق إنذار، وكنت مصراً على الزواج منها وتحديت كل الظروف، حتى اجتمعنا في منزلنا الصغير الذي كنت أجد فيه متنفساً من كل متاعب الحياة، وروحاً تشبه الحياة التي أفتقدها في بلدي الأم، والآن افترقنا وليته فراق عادي، فما آلت إليه حالنا أصبح مضرباً للأمثال..
لم يكن لديها أخوة أو أخوات ووالدها متوفى منذ طفولتها، وكنت أمثل أنا وأمها لها كل الحياة، ونظراً لأنها الابنة الوحيدة للأم كنت أحرص على ود أمها ووجودها معنا بشكل متواصل، ولم أكن أعبأ بمخاطر تدخل والدتها في تفاصيل حياتنا اليومية.
وخلال الفترة الأخيرة ازدادت مشاكل عملي بشكل كبير، وتغيرت أوضاعي المالية والنفسية وأصبحت منعزلاً عنها، ولم تكن مفاجئة لي شكواها الدائمة لوالدتها بخصوصي، إلا أنها لم تحاول مساعدتي للخروج مما كنت فيه بقدر ما كانت منفعلة وتصرخ طوال الوقت بسبب تغير حالي، وحينما تحدثت إلى والدتها في البداية، أبلغتها بأن كل ما أجتاح إليه هو الهدوء في المنزل حتى أتمكن من التفكير في حلول مناسبة لمشاكلي، وخلال حديثها معي تفهمت الوضع وحاولت تهدئة الأوضاع بيننا، إلا أن زوجتي اتهمتني بالكذب وقالت لوالدتها إنها طبيعية ولا تنفعل، وأنا الذي أصرخ بل وأسبها طوال الوقت على الرغم من أن هذا ليس من سماتي ولا أخلاقي.
استمرت المشكلات بيننا إلى أن أثارت غضبي ذات يوم وضربتها، ثم هدأت الأوضاع بيننا لكن والدتها كانت تتهمني بالكذب وتصدق ابنتها، وبعد الصلح بأيام وجدت زوجتي غاضبة تصرخ في وجهي فصوَّرتها بهاتفي وأرسلت مقطع الفيديو عبر الواتس أب إلى والدتها كي تصدقني، وبعدها تركت زوجتي منزلنا متجهة إلى منزل أمها، وكنت أظن في البداية أن أمها فضلت ذلك كي يأخذ كل منا قسطاً من الراحة، وتجنباً لزيادة المشكلات بيننا، إلا أنني فوجئت بعدها بأن زوجتي رفعت علي دعوى قضائية اتهمتني فيها بالاعتداء على خصوصيتها حيث التقطت لها مقطع فيديو ونشرته عبر «واتس أب» كما اتهمتني بسبها بألفاظ تخدش شرفها، والاعتداء على سلامة جسدها بأن أحدثت بها إصابات أعجزتها عن أداء أعمالها الشخصية.
حاولت التواصل مع زوجتي ووالدتها للوصول إلى حل ودي بعيد عن أروقة المحاكم إلا أن كل محاولاتي كانت تقابل بالرفض، وأول من فكرت فيه هو صديقنا أحمد الذي يعمل في المحاماة ولديه خبرة طويلة في هذا المجال، إلا أنه تخلى عني ولهذا السبب قررت الابتعاد عن أصدقائي حتى تنتهي مشكلاتي.
المحكمة الابتدائية قضت بحبسي 6 أشهر وتغريمي 10 آلاف درهم وإبعادي عن وطني الثاني الإمارات، وإغلاق حسابي في «واتس أب» ومصادرة هاتفي ووقع صدى الحكم على أذني كالصاعقة وإلى الآن أتذكر صوت القاضي خلال نطقه بالحكم علي، وبعدما استأنفت الحكم قضت المحكمة بإلغاء تدبير الإبعاد وتأييد باقي العقوبات بحقي فطعنت على الحكم وأكدت لهيئة المحكمة أن المدعية زوجتي وأن تصويري لها كان بقصد إرساله لوالدتها لإطلاعها على سلوكيات ابنتها وإنني لم أرسل المقطع لأي شخص آخر، وأن سبي لها كان منذ فترة طويلة تزيد على 3 أشهر وطلبت تفريغ المحادثات التي تمت بيني وبين زوجتي ووالدتها.
وقضت المحكمة بعد طعني على الحكم بأن تطبيق الواتس أب يخرج من دائرة التأثيم لعدم توافر العلانية وسقوط واقعة السب بالتقادم، وتم نقض الحكم وإعادته إلى محكمة الاستئناف لنظره مجدداً وحتى الآن لا أعلم متى ينتهي هذا الكابوس.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"