لماذا ينجح الجيش وتفشل الديمقراطية؟

04:21 صباحا
قراءة 3 دقائق
كمال بالهادي

يجب في زمن الفوضى الهدّامة أن تعطى الجيوش أدواراً حقيقية واستراتيجية في إعادة بناء دولنا المنهارة

استطاعت الجيوش العربية أن تحظى بثقة المواطنين، خاصة في الدول التي اندلعت فيها الثورات على الأنظمة السابقة، حين رفضت الجيوش أن تنخرط في لعبة «حفلة الجنون والدم»، وحين خيّرت الانحياز إلى مطالب الشعوب في التنمية العادلة، وفي الحرية والديمقراطية.

ولكن النخب الحاكمة الجديدة التي وصلت إلى السلطة في ظل انتخابات ديمقراطية، عجزت عن تحقيق طموحات تلك الشعوب التي صوتت لها في صناديق الاقتراع، وانقلبت تلك النخب الحاكمة، بمحاولتها الدائمة تحييد الجيوش عن معارك التنمية والتقدّم. وسعت ضمن مخططات إعلامية شرسة لخلق حالة من الشك، تطوّرت إلى حالة من الرفض العام لمشاركة الجيوش في اتخاذ القرارات المصيرية. بل إنها عملت وبطريقة شيطانية، على نشر الخوف من إمكانية عودة الجيوش للسيطرة على الحكم، وتهديد الديمقراطية «العتيدة». وحين تفشل فإنها لا تجد إلاّ الجيش للإصلاح ما أفسدته أيديها.

في مصر، أمسك الجيش بزمام الأمور، بعد أن بدأت البلاد تغرق في مستنقع لا خروج منه، زمن حكم الإخوان. وها هو الآن ينفذ مشاريع عملاقة، لم يكن للديمقراطية الإخوانية الرّخوة، أن تنفذ ولو عشرها، لو بقيت مصر تحت حكمهم، وتحت الديمقراطية الرخوة التي باتت عنوان فوضى وتدمير ما بقي من أركان الدولة الوطنية في تجارب شعوب أخرى. وفي الجزائر يحتمي التحول «الديمقراطي» بحضور قوي للجيش، يراقب ويؤمّن، ويمنع الانفلات، ويوجّه البوصلة حتى لا يغرق البلد في الفوضى. وهو يمشي على حد السكين، لأن تلك الآلة الجهنمية الخفية، أرادت وتريد الإيقاع بين الجيش والشعب، وقد اغتاظت كثيراً حينما نجح الطرفان، في السير نحو الاستقرار، ومنع المخططات التآمرية. وفي السودان، هناك شراكة قوية بين المدنيين والعسكريين، في حماية الانتقال الديمقراطي، بالرغم من الضغوط القوية من طرف «الديمقراطيين»، لتحجيم دور الجيش والاستفراد بالسلطة.

وفي تونس، يمارس «الديمقراطيون» عنجهية كبيرة، في ما يتعلق بدور الجيش، ولكنّهم في زمن الوباء، أو الفيضانات، أو غير ذلك من الأزمات التي لا تنتهي، يسارعون للاستنجاد بالجيش لإنقاذهم من فشلهم في إدارة الملفات الصغيرة والكبيرة. والغريب أن المشاريع التنموية لا تعطى لمؤسسة الجيش لتنفيذها، ولو في شراكة بين الخاص، والعام، بل إن واحدة من أكبر عقبات التنمية في تونس، هي تعطل مشاريع التنمية بالرغم من الإمكانات الكبرى التي يمتلكها الجيش لتنفيذها، وتغيير حياة المواطنين نحو الأفضل.

وفي مالي، وعندما استشرى الفساد، وعجز المواطنون عن مقاومته، تقدّم الجيش وأزاح الفاسدين، ولم يعترض الشعب لأنه يعلم أن الجيش هو الخيار الأخير لحماية وحدة البلاد. وحتى في الديمقراطيات العريقة، فإن الحكومات لا تستغني عن دور الجيوش في التخطيط والاستشراف، وفي ترسيخ مقومات التقدم الدائم.

إن الرؤية الجديدة، والمفترضة، في زمن الفوضى الهدّامة، هو أن تكون هناك رؤية بعيدة المدى، تعطي الجيوش أدواراً حقيقية، واستراتيجية في إعادة بناء دولنا المنهارة، وترميم الاقتصادات المتداعية، بإرساء شراكة حقيقية بين مؤسسات الجيوش، وبين المؤسسات المدنية، لتحقيق النهضة الاقتصاديّة، وللحدّ من الاقتراض الخارجي، والتعويل على الإمكانات الذاتية.

إنّه لا خيار لعودة القطار إلى سكّته الصحيحة، إلاّ إذا وقع إرساء هذه الشراكة الحقيقية والفعلية، والتي تقود فيها الجيوش مسيرة التنمية. بفضل خبراتها، وكفاءاتها العلمية في التخطيط، والاستشراف، وبفضل انضباطها والتزامها بالتنفيذ في الآجال المحددة، فضلاً عن اعتمادها عند التنفيذ على السواعد الذاتية، ما يقلل من كلفة إنجاز المشاريع المعطّلة.

ونحن على يقين أن هذه الشراكة فيما لو تمت، ستعود بالنفع والخير العميم على الجميع. إن آفة البطالة التي يعانيها الملايين من الشباب العرب، يمكن التقليل منها لو تمّ تحريك عجلة التنمية في بلدانهم، ولو أعطيت مؤسسات الجيش نوعاً من المرونة في التعاطي مع الشأن المدني. ولكن تلك قرارات لا يمكن لهذه الديمقراطيات الرخوة أن تتخذها لأنّها تستفيد من الأوضاع الحالية، ولا تلتفت إلى المصلحة الوطنية العليا. إن الجيوش هي الساتر، وهي الحصانة، وهي جدار الدفاع الأول، والأخير في حماية الأوطان. هذا أمر لا نختلف عليه، ولكن المؤسسة العسكرية هي أيضاً قاطرة للتنمية التي لا بدّ منها في هذه الظروف، خاصة في الدول ذات الإمكانات المنعدمة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"