البابا والراية البيضاء

00:54 صباحا
قراءة 4 دقائق

منذ فترة بدأت الاعترافات الغربية بفشل الحرب التي تورطت فيها أوكرانيا في تحقيق أي نصر على روسيا رغم الدعم الغربي الواسع عسكرياً ومالياً المقدم لكييف، ولكن الغرب لا يرضى بإعلان هزيمة أوكرانيا، وهو لا يقبل بأن تخرج روسيا وبوتين خاصة منتصراً في هذه الحرب، ولهذا قد يكون تصريح البابا بضرورة رفع الراية البيضاء -وهو الشخصية المسيحية الأكثر قدسية- بالون اختبار قبل الاعتراف السياسي بهذه الهزيمة.

بابا الفاتيكان فرنسيس دعا أوكرانيا إلى التحلي ب«شجاعة الراية البيضاء» والتفاوض لإنهاء الحرب المستمرة منذ عامين، وقال بابا الفاتيكان -خلال مقابلة مع هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية- إن على أوكرانيا التحلي بما سماه «شجاعة الراية البيضاء»، وأن تتفاوض على إنهاء الحرب التي شنتها روسيا قبل عامين وأودت بحياة عشرات الآلاف من الناس حتى الآن. موضحاً «أعتقد أن الأقوى هم أولئك الذين يلتفتون للوضع ويفكرون في الناس، ولديهم الشجاعة لرفع الراية البيضاء والتفاوض».

وأضاف «كلمة تفاوض هي كلمة شجاعة. فعندما ترى أنك مهزوم، وأن الأمور لا تنجح، عليك أن تتحلى بالشجاعة للتفاوض». وتابع: «اليوم يمكن التفاوض بمساعدة القوى الدولية، وعندما ترى أنك تخسر وأن الأمور تسير على نحو خاطئ، أنت بحاجة للتحلي بالشجاعة للتفاوض، ورغم شعورك بالخجل والضعف من حجم الخسائر والوفيات التي تحتاجها لتدرك الحاجة لإنهاء هذه الحرب.. عودوا إلى طاولة المفاوضات في الوقت المناسب وابحثوا عن بلد مناسب ليلعب دور الوسيط». وأشار البابا إلى أن هناك الكثير من الدول التي ترغب في لعب دور الوسيط في الأزمة الأوكرانية، وتحديداً تركيا، مضيفاً: «لا تخجلوا من التفاوض، تحلوا بالشجاعة واخطوا نحو طريق الحل قبل تفاقم الوضع». وفي معرض حديثه عن استعداده لتقديم جهود الوساطة أكد البابا «أن المفاوضات ليست استسلاماً أبداً»، مشيراً إلى أن «الشجاعة ليست في دفع البلاد نحو هاوية الانتحار».

ليست هذه هي المرة الأولى التي يدعو فيها البابا إلى إنهاء الحرب عبر طريق المفاوضات، فقد قال رئيس الاتحاد العالمي للمؤمنين القدامى ليونيد سيفاستيانوف إن البابا فرنسيس اقترح على الأطراف المعنية توقيع اتفاقيات سلام حول أوكرانيا يكون فيها الحبر الأعظم الضامن الشخصي. وأشار سيفاستيانوف إلى أن البابا يقترح التوقيع على اتفاقيات السلام عند قبر الرسول بطرس في كاتدرائية الفاتيكان الرئيسية أو عند قبر الرسول بولس في كنيسة سان باولو فوري لو مور، وكذلك إلى استعداد البابا للتوقيع شخصياً على الاتفاقيات.

وأوضح سيفاستيانوف أنه سمع هذه المقترحات من البابا فرنسيس خلال محادثتهما المطولة حول موضوع مفاوضات السلام في لقاء عقد في نهاية شهر يناير/ كانون الثاني في الفاتيكان. وخلص سيفاستيانوف إلى أن البابا يطلب من قيادة أوكرانيا مواصلة المفاوضات التي بدأت في مينسك وإسطنبول، ويقدم الفاتيكان كمنصة لاستعادة الثقة بين المتفاوضين ومواصلة المفاوضات التي بدأت في عام 2022. والذي لا يخفى على المراقبين هو لماذا صدع البابا بهذا الرأي في هذا الوقت بالذات؟

ثمة اعتراف في خطاب البابا بأنّ أوكرانيا في وضعية هزيمة عسكرية أمام الروس، وهذا واضح في المفردات التي استعملها وكلها تدور في فلك الهزيمة. وهذا يعني أن المعسكر الحليف لأوكرانيا أيضاً في حالة هزيمة. ووفقاً لصحيفة «واشنطن بوست»، فإن القوات المسلحة الأوكرانية اعترفت بأنه ليس لديها أي شيء تقريباً لمقاومة القنابل الجوية الروسية، حيث إن دفاعاتها الجوية ليست مصممة لمثل هذه الأسلحة، وتقوم الطائرات الروسية بإسقاطها خارج نطاق أنظمة الدفاع الجوي.

وقال بريان بيرليتيك مؤلف قناة «الأطلس الجديد» على موقع يوتيوب إن تدمير دبابة «أبرامز» بواسطة دبابة روسية من طراز «تي-72بي3» بطلقة واحدة في أوكرانيا قوّض سمعة المعدات العسكرية الأمريكية. وقال الخبير: «هذا الحادث يبدد أكثر من 30 عاماً من الدعاية الأمريكية حول تفوّق أنظمة الأسلحة الأمريكية، وحول كون جودة هذه الأسلحة أعلى من نظيراتها السوفييتية، والآن الروسية والصينية». وأشار العسكري أيضاً إلى أن القوات المسلحة الأوكرانية لن تكون قادرة على استخدام «أبرامز» بشكل فعال في أوكرانيا، وأن الدبابة الأمريكية نفسها ليس لديها أي مزية كبيرة على الدبابة الروسية.

إن مجمل هذه الآراء يثبت أنّ ميدان المعركة قد أفرز منتصراً في هذه الحرب وهو روسيا، غير أن الغرب ما زال يكابر ويدفع بالمواجهة إلى أقصاها مع روسيا في ظل وجود رئيس أمريكي مغامر يقود الغرب وأمريكا إلى هزيمة لا شك فيها.

فقد أكد الكاتب والمفكر الفرنسي إيمانويل تود في كتاب جديد عنوانه «هزيمة الغرب» أنّ عوامل هذه الهزيمة باتت واضحة من بينها نهاية الدولة القومية في الغرب وتراجع التصنيع، ما يفسر عجز حلف شمال الأطلسي عن إنتاج الأسلحة الضرورية لأوكرانيا، ووصول المصفوفة الدينية الغربية -أي البروتستانتية- إلى «درجة الصفر» والإفلاس. وربما أراد البابا أن يقطع النصر الروسي الكامل وأن يجد مخرجاً لهذه النهاية المحتومة، لكن رئيس أوكرانيا رفض العرض البابوي فيما رحبت به روسيا وقالت إنه طرح عقلاني.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/36dwnej2

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"