الديمقراطية الملوّنة

00:18 صباحا
قراءة 3 دقائق

هل يجوز لنا تصنيف الديمقراطية حسب مجالاتها الجغرافية والإثنية والعرقيّة وحتّى الدينية؟ وهل يجوز لنا أن نصنّف المستويات الديمقراطيات حسب الانتماءات القارّية، فنقول على سبيل المثال ديمقراطية أوروبية وأخرى أمريكية وثالثة آسيوية ثم إفريقية وهكذا دواليك؟

إنّ ما يدفعنا إلى طرح هذه الأسئلة هي مسارات المشاركة السياسية للشعوب في انتخاب مسؤوليها وقدرتها على ضمان التداول على السلطة من دون اللجوء إلى العنف وإراقة الدماء، والتزام المسؤولين السياسيين بعدم اتخاذ إجراءات من شأنها أن تقوّض المسار التشاركي الديمقراطي. إنّ الديمقراطية الغربية وهي من أقدم الديمقراطيات في العالم عودة إلى التاريخ الإغريقي الأثيني، وهي التي يمثلها اليوم الجنس الأبيض في مستوييه الأوروبي والأمريكي، تلتزم إلى حدّ كبير بالانتخابات وتداول السلطة سلمياً، لكن من دون أن تخلو من تدخل الأوساط النافذة مالياً أساساً من أجل استمرارية حكمها حتى تكونت رؤية شديدة الأهمية مفادها أن الديمقراطية الغربية وعلى حسناتها الكثيرة إلاّ أنها تظل ديمقراطية المال أولاً وأخيراً.

ولعلّ الناظر في كلفة الانتخابات الأمريكية على سبيل المثال سيدرك أنّ المال هو أساس الديمقراطية الغربية، وأن ما ينتج عن تلك الديمقراطية هو بالأساس خدمة أصحاب النفوذ وزيادة سطوتهم مقابل «الفتات» الاقتصادي الذي يقدّم للشعوب التي تصطف تحت تأثير تلك الحملات الانتخابية القوية لانتخاب السلطات التي تعمل لحساب غيرها. ومن مشكلات هذه النظام الديمقراطي في السنوات الأخيرة أنه لم يعد يعبّر عن رغبات الشعوب وطموحاتها، فنحن نرى ميولاً واضحة نحو الأحزاب اليمينية التي تقوم على مبادئ تتناقض تماماً مع الروح التشاركية ومع قيم المساواة التي يفرضها النظام الديمقراطي، ومع ذلك يتم تصعيد تلك القوى وتمنح مركز اتخاذ القرارات وكأن الشعوب تعيش حالة تناقض مع القيم التي عاشت عليها منذ قرون مع الواقع المستجد الذي يفرض ربما خيارات أخرى تراها تلك الشعوب في منطوق سياسي مختلف عن السائد.

وفي المقابل فإنّ السياسيين أنفسهم الذين تلذذوا حلاوة السلطة، صاروا يبحثون عن مداخل من أجل تغيير القوانين الانتخابية حتى يضمنوا استمرارهم في السلطة. وهذا مؤشر على أنّ النوازع الشخصية أو مصالح القوى النافذة هي التي تدفع نحو هذا الخيار من أجل تأمين مصالحها في ظلّ صعود قوى أخرى باتت رافضة لديمقراطية «الرأسمال المتوحش».

ومن أمراض هذا النظام الديمقراطي ما برز في آخر انتخابات أمريكية عندما رفض أنصار الرئيس ترامب النتائج واحتلوا مبنى الكونغرس في خطوة تم اعتبارها شهادة وفاة الديمقراطية الأمريكية. ومع ذلك «الديمقراطية البيضاء»، أكثر استقراراً من الديمقراطيات الملونة الأخرى التي ترتكز في كثير من الأحيان على نفوذ الشخص أو المؤسسة التي تسنده سواء كانت عسكرية أو حزبية.

ما حدث في السنغال مؤخراً من انتخابات ديمقراطية، وهي إحدى أقدم الديمقراطية الإفريقية الناشئة في النصف الثاني من القرن العشرين، عزز م فهوم الديمقراطية في هذا البلد الإفريقي، وذلك بخلاف المحيط الإفريقي شديد التقلب والاضطراب، حيث شهدت إفريقيا نحو ثمانية انقلابات عسكرية أطاحت بنظم ورسّخت أقدام أخرى إلى أن يأتي من ينقلب عليها في فترة أخرى وهكذا تظل المشاركة الشعبية حبيسة تلك الأهواء والنوازع الفردية التي تجعل الشعوب غير قادرة على تقرير مصيرها حتى في ظل الأنظمة الوطنية.

أما الديمقراطية العربية وهي لون فريد، فرأينا عبر التاريخ أنّها لا تخرج من دائرة الفردانية، لأن الديمقراطية هي ثقافة أولاً وأخيراً، ويبدو أن الشعوب العربية تحتاج إلى وقت كي تفهم معنى الديمقراطية وتمارسها قولاً وفعلاً..

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yt3uvdap

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"