تنازل أم

02:43 صباحا
قراءة 3 دقائق
أبوظبي: آية الديب

تحفل ساحات المحاكم وحياة الأطراف التي تلتقي فيها بقصص تعكس في جانب منها الصراعات القديمة المتجددة بين الخير والشر، بين الطمع والقناعة، بين نفوس ترتوي بظلم الآخرين وأخرى تنفق شهوراً، وربما العمر كاملاً، بحثاً عن حق. في تفاصيل هذه الصراعات تحاول العدالة ما استطاعت أن تكون صاحبة الكلمة العليا لتستقيم الدنيا، وفي ثنايا المواجهات بين الأطراف المتخاصمة تتدفق المفاجآت والعبر.
خالفت القاعدة المعروفة، فكلمة الأمومة تقترن بها كلمات الحب، والحنان، والعطف، والرحمة، والإيثار على النفس، والأمهات يقدمن الغالي والنفيس، ويتنازلن عن راحتهن، بل وسعادتهن، ويقدّمن مختلف التضحيات في سبيل أبنائهن، إلا أن هذه المرأة عدلت عن هذه القاعدة وقررت التنازل عن أمومتها، وفضّلت مصلحتها الشخصية.
منذ فترة ما قبل زواجها وهي تبحث عن فرصة عمل مناسبة تنمي مهاراتها، وترضي طموحها، وتشعر والديها في الوقت ذاته بأن تكاليف مصروفاتها الجامعية التي أثقلت كاهلهما تؤتي ثمارها، إلا أن إيجاد الفرصة المناسبة تأخر، وتقدم للزواج منها شاب مناسب أخبرته أنها ترغب في الالتحاق بسوق العمل بعد الزواج، ووافقت على الزواج منه بعدما أكد لها أنه لا مانع لديه من عملها، شريطة ألا يؤثر ذلك في حياتهما، وأبنائهما، وبعد الزواج استمرت في البحث عن عمل إلا أن جهات عمل عدة كانت ترفضها بسبب حملها، وطالبتها بالتقدم إليها مجدداً بعد ولادتها، ومرافقة رضيعتها، وبعد وضع طفلتها كانت تنتظر مرور الأيام حتى تكبر قليلاً لتستطيع تركها والخروج باحثة عن عمل لتحقيق ذاتها، وكانت ابنتها الرضيعة تعاني ضعفاً عامّاً، وتحتاج إلى رعاية واهتمام، وفي الوقت ذاته تلقت عرضاً مغرياً للعمل في إحدى الشركات الكبرى براتب فاق توقعاتها، وحارت في أمرها إلى أن قررت التخلي عن ابنتها، والإصرار على الخروج للعمل، والحصول على فرصة ربما لن تأتي ثانية، وقررت التحدث إلى زوجها في هذا الأمر فور عودته من الخارج، ولم يكن رفض زوجها لخروجها للعمل وترك ابنتها مع خادمة، أو في إحدى الحضانات مفاجئاً لها، فهي تعلم أن ابنتها تحتاج إلى رعايتها، وعمرها لا يتجاوز شهرين، إلا أن مشاعر الأمومة لم تثر فيها أي رحمة، أو رأفة بابنتها مقابل عرض طال انتظاره سنوات.
ألحت على زوجها كثيراً، وكان في البداية يقنعها بأن ابنتهما هي الأولى برعايتها، ثم خضع لرغبتها شريطة ألا يؤثر ذلك في رعاية ابنتهما، إلا أنها مع الالتحاق بعمل جديد كانت تسعى جاهدة لإثبات ذاتها بصورة أنستها طفلتها، فكانت تتركها من الصباح، وتعود في المساء متأخرة، وفي بعض الأحيان تعود متعبة، ولا ترى ابنتها على الإطلاق، وحينها أدرك زوجها أنه ترك لها الحبل على الغارب، واحتدت المشادات والخلافات بينهما إلى أن اتفقا على الطلاق.
وبعد طلاقهما تنازلت أمام لجنة التوفيق والمصالحة برضاها عن حضانة ابنتها، ظناً منها أنها بذلك تتفرغ لعملها، وفي الوقت ذاته تضغط على الزوج، وتنغص عليه حياته، وتنتقم منه حتى لا يهنأ بعيشه بعد الطلاق، لاسيما وأن أغلب الرجال يعيدون الارتباط بامرأة أخرى، ويتناسون مسؤولياتهم تجاه أسرتهم الأولى.
وعلى الرغم من أن الزوج كان يعلم بأن تنازلها عن ابنتها كان نكاية فيه، فإن تنازلها عن طفلتها مصدراً لسعادته، وجعله ذلك يشعر بالاطمئنان على ابنته، وكان يعود من عمله مسرعاً إلى المنزل متشوقاً للقائها، وحينما كان يحدثه أحد عن المسؤولية الكبيرة التي يتحملها لرعاية طفلة رضيعة كان يردد لا أسف على حب، ولا ندم على جهد، وكفوف ابنتي الصغيرة هي التي سأستند إليها بعد أن تنال الشيخوخة، والعجز مني.
ودار الزمن، وخسرت الزوجة عملها، وبقيت وحيدة، وعندها أدركت أنها خسرت كل شيء، خاصة ابنتها التي تبلغ من العمر 5 أشهر، فقررت رفع دعوى قضائية بحق طليقها لإسقاط حضانته لابنته، وضمها إليها، وإلزامه بنفقة شاملة لها، وقضت المحكمة برفض دعواها، ثم قضت محكمة الاستئناف بنقل الحضانة إليها، وألزمت الأب بالنفقاتن فطعن الأب على الحكم، مؤكداً أنه مخالف للاتفاق الذي تم أمام لجنة التوفيق، والمصالحة، وارتأت المحكمة أن الأم تركت ابنتها إبان طفولتها الأولى وحاجتها لها بلا عذر، وفي الوقت ذاته لم تقدم ما يدل على عدم عناية الأب بطفلته، خاصة بعد غيابها عن طفلتها، وأن الطفلة لم تجد الشفقة منها، وأكدت أن الساقط بالاختيار لا يعود، وأن الاتفاق أمام لجنة التوجيه الأسري الذي وقع عليه القاضي لا يحق لأي طرف الرجوع عنه أو فسخه، أو تعديله، إلا بالتراضي، أو لثبوت مصلحة المحضون في خلافه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"