الدولة واللادولة في العراق

04:13 صباحا
قراءة دقيقتين
يونس السيد

استعادة هيبة الدولة، واحترام السيادة، وعدم تحويل العراق إلى ساحة للصراعات الخارجية، كلها شعارات رفعتها معظم الحكومات العراقية التي توالت على السلطة بعد عام 2003؛ لكنها بقيت مجرد شعارات، حتى جاءت حكومة الكاظمي التي حاولت إضفاء نوع من الجدية في التعامل معها، قبل أن تصطدم بواقع اللادولة، والسلاح المنفلت، وامتداداته الداخلية والخارجية.

الكاظمي، ومنذ ترشيحه لتولي منصب رئاسة الحكومة، كان قد ضمّن منهاجه الوزاري، هذه القضايا إلى جانب قضايا أخرى كثيرة؛ في مقدمتها: محاربة الفساد والفاسدين؛ والكشف عن قتلة المتظاهرين وتقديمهم إلى العدالة؛ والقيام بإصلاحات جدية في الاقتصاد والإدارة؛ والقيام بالتعديلات الدستورية اللازمة؛ وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وهي كلها مطالب للحراك الشعبي الذي يعد الكاظمي أن حكومته تمثل انعكاساً لها. غير أن الكاظمي الذي توفر له في البداية الدعم الداخلي الكبير، وحاول الاستفادة من هذا الزخم؛ لترجمة منهاجه الوزاري، وتحقيق الإصلاحات المنشودة، سرعان ما اكتشف أن هذا الدعم ما هو إلا محاولة لتوظيفه وتوظيف حكومته لمصلحة هذه الجهة أو تلك.

وبالتالي فسرعان ما تبخر هذا الدعم عند أول محاولة لملاحقة منفذي هجمات «الكاتيوشا» ضد السفارات والبعثات الدبلوماسية وأماكن تواجد قوات التحالف الدولي، وعند أول محاولة لملاحقة واعتقال المسؤولين عن قتل المتظاهرين، وعند إعلانه عن موعد للانتخابات المبكرة خلافاً لرغبة معظم الطبقة السياسية المتنفذة. وازداد الأمر سوءاً بعد زيارته لواشنطن، قبل عدة أسابيع، واتفاقه على سقف زمني لخروج القوات الأمريكية من البلاد؛ حيث تضاعف استهداف البعثات الدبلوماسية والتحالف الدولي؛ بهدف الضغط لخروج أمريكي مبكر وتصويره على أنه انتصار، ليجد الكاظمي نفسه في أول اختبار جدي بين منطق الدولة وواقع اللادولة، بين انضباط المؤسسة العسكرية والأمنية والسلاح المنفلت في أيدي العصابات والخارجين عن القانون، وهذه في الحقيقة ليست سوى ميليشيات أو فصائل مسلحة لها امتداداتها الداخلية والخارجية.

اليوم وصلت الأمور إلى حد تهديد واشنطن بإغلاق سفارتها في بغداد، ومطالبة البعثات الدبلوماسية الأخرى بتوفير الحماية لها، وفقاً للقوانين والأعراف الدولية، وهذا هو منطق الدولة التي يطالب الجميع باستعادة هيبتها؛ لكنه منطق يبدو أنه لا مكان له في العراق، طالما أن هناك من يعد نفسه فوق الدولة وأجهزتها ومؤسساتها، خصوصاً وأن إغلاق السفارة الأمريكية لن يمر مرور الكرام، كما يعتقد البعض، وإنما سيتبعه إغلاق سفارات أخرى، وبغداد لن تكون سعيدة بذلك، كما عبر وزير الخارجية العراقي.

والأهم من ذلك أن إغلاق السفارة الأمريكية يعني لجوء واشنطن إلى خيارات أخرى، سيكون على رأسها الخيار العسكري، وتوجيه ضربات إلى هذه الميليشيات والفصائل؛ ما يعني عودة العراق إلى ساحة للصراع والتجاذب الدولي والإقليمي، بدلاً من تجنيبه ذلك، في وقت عاد تنظيم «داعش» يشكل تهديداً جدياً، كما تزداد معاناة العراقيين الاقتصادية والصحية مع تفاقم جائحة كورونا، بينما الطبقة السياسية الفاسدة، بمعظمها، لا تفكر إلا في مصالحها، وفي كيفية إسقاط الكاظمي وحكومته قبل إجراء تلك الانتخابات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"