عادي

تضييق الخناق على الأمم المتحدة

03:32 صباحا
قراءة 3 دقائق
فريدريك بورناند *

لا توجد هذا العام وفود حكومية لشغل الفنادق الكبرى في مانهاتن، كما كان عليه الحال كل عام. كما لا يرتسم ظل أي رئيس دولة على منصة الدورة الخامسة والسبعين لجمعية الأمم المتحدة.

الوقت ليس مناسباً للاحتفال مع انتشار الوباء العالمي وإدارته الدولية وتداعياته الاقتصادية، واهتزاز النظام الدولي الذي تجسّده الأمم المتحدة بقوة بسبب التوتّرات المتزايدة بين القوى العسكرية العظمى في آسيا والشرق الأوسط، وذلك في الوقت الذي ينشر فيه القادة القوميون بذور الفتنة والنزاعات في معظم القارات. ناهيك عن ظاهرة الاحتباس الحراري الذي لاتزال التعبئة الدولية لمواجهته في مهدها، على الرغم من الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة.

وتعلن الأمم المتحدة عن إنجازاتها وأهدافها المستقبلية، كل عام، وتروّج لقيمها ومُثلها وتخفي أخطاءها. ويشير دافيدي رودونيو، الأستاذ في معهد الدراسات العليا بجنيف، إلى أن الأمم المتحدة سيئة للغاية في سرد تاريخها لأنها ليست منفتحة على النقد الذاتي. فهي تخلط السياسة بالأخلاق، ونادراً ما تكون النتيجة مقنعة، هذا على الرغم من الإحداثيات التي أدخلتها عُصبة الأمم ومن بعدها الأمم المتحدة في مجالات مثل حق اللجوء والصحة والنقل والاتصالات والتبادلات الاقتصادية.

ولنأخذ مثالاً على ذلك مبدأ أساسياً طغى على القرن الذي شهد تأسيس المنظمات الدولية، هو حق الشعوب في تقرير المصير.

ويغطي هذا المبدأ النقاط الأربع عشرة التي حددها الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون في نهاية الحرب العالمية الأولى كبرنامج لتأطير معاهدة فرساي لعام 1919، وهي اتفاقية السلام التي أبرمت بين ألمانيا ودول الحلفاء التي تؤكّد في نفس الوقت إنشاء عُصبة الأمم المتحدة.

ويقول رودونيو «إن النقاط الأربع عشرة صالحة فقط للبلدان التي تعتبر نفسها متحضّرة». فقد تم الاعتراف جزئياً بحقوق الشعوب الخارجة من أنقاض الخلافة العثمانية التي هزمت في الحرب العالمية الأولى قبل أن تخنقها عدة معاهدات بين القوى العظمى وتحل محلها سلطات «الحماية» الممنوحة إلى فرنسا وإنجلترا في الشرق الأوسط.

ويصرّ رودونيو على أن الانتداب هو تعبير عن الإمبريالية الغربية. وهذا النظام الاستعماري العنيف يواصل حربه ضد حركات الاستقلال المنتشرة في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط.

ولكن إذا أخذنا في الاعتبار السياقات التاريخية في تلك المرحلة، هل كان بإمكان عُصبة الأمم أن تكون آلية تقدمية وتحررية، تحترم حقوق الشعوب في تقرير مصيرها؟ يجيب رودونيو، أن هذا غير ممكن لأن عُصبة الأمم كانت تجسيداً لإرادة القوى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى والتي كانت جميعها إمبراطوريات استعمارية.

وكان السلام والأمن الدوليان هما سبب نشأة ووجود الأمم المتحدة، تماماً كما كان الحال بالنسبة لعُصبة الأمم. وكان هاجس عُصبة الأمم فعل كل شيء لضمان عدم تكرار الحرب العالمية الأولى. ومن أجل الوصول إلى تحقيق هذا الهدف النهائي، سعت إلى توسيع أنشطتها لتشمل تطوير وسائل الاتصال، ووضع إطار تنظيمي للتجارة العالمية، وقوانين لحماية اللاجئين.

ومثل الأمم المتحدة، أرادت عصبة الأمم تنسيق كل شيء، معتقدةً أنها تتمتع بشرعية أكبر من شرعية البلدان الأعضاء فيها. لكن هذا لا يتناسب على الإطلاق مع رهانات القوى التي تتحكم اليوم، كما كان الحال بالأمس، في خيوط اللعبة.

* صحفي ومؤلف سويسري (سويس أنفو)
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"