عادي
هل التبسيط ضروري للصغار؟

الكتابة للأطفال..أدب يحاور البصر

22:51 مساء
قراءة 5 دقائق
الكتابة للأطفال
الكتابة للأطفال
الكتابة للأطفال

   
الشارقة: أوميد عبدالكريم إبراهيم

من البديهي أن لكل فئة عمرية أدوات متباينة ومفردات مختلفة تصلح للتعامل معها ومخاطبتها، فلكل مرحلة يمرّ بها الإنسان سمات ومفردات قد تختلف جذرياً عن الأخرى، وبالحديث عن شريحة الأطفال والقصص المكتوبة لهم «أدب الطفل»، فإن هناك العديد من العوامل التي تحكم هذه الصناعة المهمة؛ خصوصاً أنها تخاطب فئة لا تزال في أوج مرحلة النمو والتكوين الشخصي والثقافي، وهو ما يُحتم على الكتّاب إيلاء الكثير من التركيز والاهتمام بالمحتوى الموجه إليها؛ لأنه سيكون بمثابة اللبنة الأولى في بنائهم المعرفي.
الكتابة للطفل عملية حساسة وصناعة قائمة بذاتها بحسب عدد من الكتّاب والقاصّين الإماراتيين، الذين يُجمعون في هذا الاستطلاع على ضرورة أن تنتمي القصة إلى بيئة الطفل ومحيطه المجتمعي بكل ما يحتويه من عناصر وأدوات وصور، تخطف بصر الصغير، وألا تعالج بيئات وأفكار بعيدة عن واقعه؛ في حين تتباين آراؤهم حول جزئية تبسيط الكتابة الموجهة للطفل؛ بين من يعتبر التبسيط ضرورةً ملحة لكي يستوعب الطفل المحتوى الموجه إليه بسهولة وبطريقة سليمة، وبين من يعتبره استخفافاً بالطفل لا جدوى ولا طائل منه.

** قدرات استيعابية


لا بد أن تتناسب القصة مع قدرات الأطفال الاستيعابية والتخيلية، ومع واقعهم ومحيطهم بحسب الكاتب والقاص إبراهيم مبارك، الذي يشير إلى أهمية أن يكون مستوى الكتابة مناسباً لعمر الأطفال؛ مثل استخدام الكلمات والأمثلة؛ حيث يجب ألا تكون معمقة أو صعبة؛ لكي يستطيع الأطفال تخيلها، ومن المهم للغاية أن تكون المادة منتمية إلى محيط الطفل الثقافي ومجتمعه، وكذلك العناصر الموجودة في بيئته، وأن تكون مبسطة لكي يستوعبها، وكلما كانت القصة مصحوبة بالرسوم؛ كانت أكثر رسوخاً وسهولة في الفهم؛ فضلاً عن أهمية الاختصار والتكثيف من ناحية حجم الكلام لكي لا يُرهَق الطفل، ولا بد أن تكون الحروف كبيرة وواضحة، وألا تكون خطوطاً فنية معقدة لا تستوعبها هذه الفئة العمرية.
تبسيط الكتابة برأيي يساعد الطفل على المزيد من الفهم، وهذه جزئية مهمة جداً؛ لأن اللغة العربية واسعة جداً، وفيها مصطلحات تحتاج إلى أصحاب التخصص الدقيق، وهذا الإجراء لا ينعكس سلباً على اتساع مداركه؛ بل يساعده على المزيد من الفهم والتخيل، وربط الأحداث الواردة في القصة؛ كما لا نغفل ضرورة أن يكون إخراج القصة جيداً، وأن تكون المسافات بين الأسطر مناسبة، فالعمل الطباعي يكمل العمل الكتابي، وكلاهما يؤثر في الآخر.

** عقلية تربوية


يؤكد الكاتب والقاص محسن سليمان أن الكتابة للطفل فن خاص يحتاج إلى عقلية تربوية، وأعتقد أن هذا النوع من الكتابة ينقسم إلى قسمين؛ أحدهما يتعلق بالكتب التعليمية التي تعتمد على الرسم والألوان بشكل أساسي، والآخر يتمحور حول الكتب التي تغذي عقلية الطفل، ولا شكَّ في أن عنصر الجذب مطلوب إذا ما وضعنا في الحسبان حساسية التعامل مع هذه الفئة، فيكون من خلال الرسم المعتمد على القيم الجمالية التي تخاطب بصره وبصيرته؛ مع عدم إغفال طريقة إرسال الرسالة الهادفة في الأسلوب والإيقاع، واختبار الشخصيات الكارتونية أو الحقيقية المحببة؛ فضلاً عن ربط كتاب الطفل بالهوايات التي يعشقها؛ مما يسهل عليه إيجاد كتابه المفضل؛ كما أن اختيار جزء من البيت لعمل مكتبة ينشأ عليها الطفل؛ يعد من العوامل المساعدة على جذب الطفل للقراءة.
من أكبر الأخطاء في نظري؛ أن يلجأ الكاتب إلى تبسيط كتابه، وأتساءل دوماً عمّا يريده الكاتب من التبسيط؟، وماذا سيجني الطفل من هذا التبسيط؟ الكاتب الماهر هو الذي يرفع مستوى الطفل ليجذبه من خلال أسلوبه وطريقته في السرد، فالطفل من عمر الستة أعوام فما فوق يتسع لديه الإدراك ويكون مطواعاً لكل ما يستقبله من الأفكار والأحاسيس التي يطرحها الكتّاب؛ لذلك من أهداف الكتابة للطفل تنمية عقله وروحه، والارتقاء به، ومن عوامل الجذب أيضاً أن الكتابة للطفل يجب أن تنمي إدراكه للمحيط من حوله، وأنه لا يزال في بداية تكوين وتشكّل ميوله واتجاهاته، وإيجاد الوقت للقراءة سيساهم في تحقيق ذلك الجذب المتنامي في ذهن الطفل على التعامل مع وقت القراءة، وهو وقت مهم جداً، والهدف منه ليس قتل الفراغ.
كما تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أهمية أسلوب التحفيز والمكافأة، وخلق جو من الألفة في طريقة التفكير، والاستفادة من القراءة وعدم إضاعة الوقت؛ إلى جانب المساهمة في ديمومة القراءة، والحوافز المقدمة من قبل الأبوين تنبع من حرصهما على تعليم الأبناء فوائد القراءة؛ يضاف إلى ما سبق أن فهم نفسية الطفل يخلق لدى الكاتب الوعي اللازم لإيجاد الوسيلة الأفضل للدخول إلى عالمه، فبالارتقاء بعقلية الطفل نُسهم في صناعة العقول.

** عناصر جاذبة


تعتبر قصص الأطفال من أصعب أنواع الكتابة وفقاً للكاتبة والقاصة عائشة عبدالله، والتي تشدد على ضرورة أن يكون الكاتب صادقاً وأميناً فيما يدرجه في هذه القصص من حكايات أو معلومات؛ كما أن قصة الطفل يجب أن تكون هادفة؛ أي أن تعالج سلوكاً معيناً، ولكن يجب ألا نقول للطفل مباشرة من خلال القصة إننا جئنا لنصحح سلوكاً غير سويٍّ لديه، وهنا يجب اللجوء إلى عناصر تجذب الطفل للقصة، ونعالج سلوك الطفل من خلالها، فعالم الحيوان والنبات مثلاً غنيّ جداً بعناصر الجذب التي يمكن أن يلجأ إليها الكاتب؛ كما أن كلّ ما يحيط بالطفل من أدوات مدرسية وأخرى منزلية؛ يمكن أن يكون مادة دسمة للكاتب، ولا ننسى أن لدينا اليوم عناصر جذب جيدة يمكن أن يلجأ إليها الكاتب، وذلك من خلال الثورة التكنولوجية الحديثة التي نعيش في ظلها.
لا شكَّ في أن على الكاتب أن يراعي الفئة العمرية التي يكتب لها القصة؛ لأن لكل عمر أسلوباً معيناً للكتابة، فهناك فرق بين طفل الروضة، والمراهق؛ في لغة التخاطب، ونحن نبسط لغة الكتابة للطفل الصغير، وكلَّ ما كان أكبر سناً؛ خاطبناه بلغته، وهو ما يطلق عليه مراعاة عناصر الكتابة لكل مرحلة عمرية؛ كما أن الكاتب الذي يكتب للطفل يجب أن يبحث ويقرأ كثيراً؛ كأن يدرس معلومات وافرة عن حيوان أو نبات معين يذكره لاحقاً في قصصه؛ لكي تكون المعلومات دقيقة وصحيحة، ومن ثم يُسقط سلوكاً معيناً يريد معالجته؛ على هذا الحيوان أو النبات، وذلك بهدف أن يكون الارتباط صحيحاً، والمعلومة سليمة؛ لا سيما أنه في عالم الحيوان هناك سلوكيات قريبة من سلوكيات الإنسان، وختاماً تجدر الإشارة إلى أن الطفل ذكيٌّ ونقيُّ الذهن، وإذا كانت المعلومة غير سليمة، سيشعر الطفل بأن هناك استخفافاً بعقله، وبالتالي ستكون النتائج ليس كما خُطط لها؛ بل قد تكون عكسية ويفقد الطفل ثقته بالكتب، وربما بمن حوله أيضاً.

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"