عادي

نموذج التخلص من الوقود الأحفوري جاهز

01:30 صباحا
قراءة 3 دقائق
1

د. محمد الصياد *

سبق وأوضحنا أن إدارة بايدن/هاريس (جو بايدن وكامالا هاريس)، إذا ما فاز الديمقراطيون في انتخابات الرئاسة الأمريكية في 3 نوفمبر 2020، ستدعو فوراً (مطلع عام 2021) إلى قمة مصغرة تضم الدول الرائدة في مكافحة ظواهر تغير المناخ وكبح الانبعاثات، مثل كوستاريكا، ونيوزيلندا اللتين أشارت لهما خطة هاريس ب«الشركاء الطبيعيين»، وذلك في ضوء التقدم الذي تحرزانه في كبح إنتاجهما المحلي من النفط والغاز.

وبحسب مستشارة كامالا هاريس، ايمي بارنز لشؤون المناخ (التي «ابتكرت» شعار: «معاكسة أوبك إنتاجاً»)، فإنه قد آن الأوان لاستهداف الدول المنتجة للفحم والنفط والغاز، ليس فقط من خلال دالة الطلب وإنما، وعلى نحو خاص، من خلال دالة العرض. وهي تتعاون في هذا المجال مع لوبيات مؤثرة في قضايا المناخ، مثل «معهد ستوكهولم للبيئة»، في مدينة سياتل الأمريكية بولاية واشنطن، الذي يقول رئيسه الخبير في قضايا الطاقة والبيئة والمناخ، «مايكل لازاروس»، إن هناك حاجة إلى إشراك منتجي النفط الرئيسيين في العمل المناخي، وإن من مصلحة تلك البلدان أن تكون أكثر استباقية بشأن المناخ. فالوقوف كمتفرج، يعني أنها ستتعرض لما أسماه «تسرب الأصول، وتدهور مجتمعاتها، وسبل العيش فيها». معتبراً أن بعض الخيارات المتاحة مثل ضريبة الكربون على رأس البئر، واستخدام إيراداتها لتنويع اقتصاداتها المعتمدة على النفط، سيمنح المنتجين حافزاً أكبر ليكونوا جزءاً من حل قضية المناخ. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فمن الواضح أن مستشارة هاريس للمناخ، (إيمي بارنز)، تتعاون مع المعهد المذكور لوضع مقترحات حلول تطبيقية لهذا الموضوع الحساس بالنسبة للدول المنتجة للنفط والغاز والفحم، ولشعوبها التي ما زالت تعتمد على إيرادات هذه المصادر الأحفورية لتأمين انتظام دورتها الاقتصادية. فلقد قام «جريج موتيت»، الخبير في قضايا المناخ المتصلة بتأثيرات مصادر الوقود الأحفوري، وكبير الاستشاريين في مؤسسة Oil Change International التي تتخذ من لندن مقراً لها، و«سيفان كارثا»، كبير العلماء في معهد ستوكهولم للبيئة، بتطوير إطار نظري لما سمياه «التدهور المُدار للوقود الأحفوري»، ونشراه مؤخراً في مقالة بمجلة «سياسة المناخ» العلمية (Climate Policy journal). وقد ضمّنا نموذجهما خمسة مبادئ توجيهية، من بينها تقليص عمليات استخراج الوقود الأحفوري، بما يتماشى مع مستوى درجة الحرارة التي استهدفتها المادة الثانية من اتفاق باريس للمناخ، وهو 1.5 درجة مئوية، وتسريع هذه العملية؛ حيثما تكون التكاليف الاجتماعية للقيام بذلك، أقل؛ وتقاسم تكاليف الانتقال بشكل عادل، وفقاً لما اعتبراه «القدرة على تحمل هذه التكاليف».

واعتباراً بنصوص «اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ» (UNFCCC) التي حملت الدول المتقدمة، ذات الاقتصادات المتنوعة، مثل كندا وألمانيا والنرويج والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، بسبب سبقها في التصنيع، المسؤولية الأساسية لتراكم انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، لاسيما غاز ثاني أكسيد الكربون، في الجو، فمن الطبيعي أن يتم وضع المسؤولية الأخلاقية على عاتقها، وتحميلها، عمليا، عبء التحول السريع (من مصادر الطاقة الأحفورية إلى مصادر الطاقة المتجددة) بشكل مباشر.

معلوم أن سياسة المناخ تركز بشكل أساسي على خفض الطلب، من خلال ترويج وتسويق مصادر الطاقة المتجددة. لكن كامالا هاريس ومستشارتها ايمي بارنز لشؤون المناخ، تريان أنه إذا لم يتم تقليص الإمدادات بخطى ثابتة، فإن ذلك سيؤدي إلى وفرة في انبعاثات الوقود الرخيص، ما يضع مصادر الطاقة المتجددة في وضع تنافسي غير متوازن مع مصادر الطاقة الأحفورية، ويقوض عملية التحول. ولذا فإن لوبيات المناخ المحيطة بالمرشح الديمقراطي جو بايدن، تضغط من أجل انتقال «إدارة المعروض» (الطاقوي الأحفوري)، من المنتجين إلى تحالف تقوده الولايات المتحدة.

والجدير بالتنويه هنا، أن الخبيرين المناخيين سالفي الذكر جريج موتيت، وسيفان كارثا، والقريبين من حملة هاريس الانتخابية، شاركا إلى جانب عدد آخر من الخبراء، في وضع دراسة مكرسة لهذا الموضوع، أُعدت لصالح المؤسسة الألمانية (Heinrich Böll Foundation)، التابعة لحزب الخضر، وحملت عنواناً يلخص هدفها، وهو «إدارة تراجع إنتاج الوقود الأحفوري». بما معناه في التحليل الأخير، اقتراح المقاربة المثلى لما يمكن أن نسميه ب«الهبوط الآمن والسلس» للوقود الأحفوري من سوق إنتاج الكهرباء وسوق النقل والمواصلات العالمية.

الدراسة المذكورة؛ إذ تستند إلى هدف اتفاقية باريس الأساسي، الوارد في مادتها الثانية، وهو العمل على ألاّ يتجاوز ارتفاع درجات الحرارة أقل من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي، مع السعي في الوقت ذاته لجعل هذه الزيادة عند حد 1.5 درجة مئوية فقط– فإنها تزعم بأن تحقيق هذا الهدف لا يتأتى إلا من خلال ما تسميه «إدارة تراجع» (خفض) إنتاج الوقود الأحفوري، عبر تقييد مشاريع إمدادات الوقود الأحفوري الجديدة و«إدارة تراجع» إنتاج صناعات النفط والغاز والفحم، بعناية تدريجية، مع الحرص على العمل والتخطيط لانتقال عادل للعمالة والمجتمعات.

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"