الصراعات الجديدة في العالم

23:11 مساء
قراءة 3 دقائق

عبد الإله بلقزيز

أفضت نهاية الصراع بين الشرق «الاشتراكي» والغرب «الرأسمالي»، إلى ولادة صراعات جديدة على المسرح الدولي أظهرها صراعان: الصراع داخل معسكر الغرب نفسه، بين قواه المتنافسة على الثروة والنفوذ والمصالح، والصراع بين شمال توحد غرباً وشرقاً، وجنوب مازال  حتى إشعار آخر  ساحة نفوذ لدول الشمال وموضع أطماع ومصالح. وكما كان الصراع بين الشرق والغرب  في حقبة الحرب الباردة  صراعاً طاحناً من دون حروب عسكرية، كذلك هو اليوم، الصراع بين مراكز الغرب صراعاً طاحناً من دون قتال، لكن الصورة تختلف في حالة الصراع شمال/جنوب، حيث لم يخل هذا من سوابق حروب ومواجهات عسكرية لا يبدو في الأفق أنها قد تنتهي.

انتقال الصراع إلى صراع داخل الغرب نفسه  بين مراكزه الرأسمالية المتنافسة  أمر طبيعي لا مكان لاستغرابه. وليس مرد بداهته إلى أن الذي كان «يوحد» دول الغرب ويصنع لحمتها التضامنية (أي الشرق الاشتراكي) قد زال من الوجود وانتهى خطره، فحسب، وبالتالي ارتفعت الأسباب التي كانت تخفي صراعاتها أو تمنعها من التعبير عن نفسها جهرة؛ بل لأن منطق الرأسمالية الحاكم لها هو التنافس والنزاع على المصالح. ألم يقد النزاع بينها على المستعمرات، مثلاً، إلى حروب بينها في القرن التاسع عشر؟ ثم ألم يقُد النزاع بين «الإمبرياليات» إلى حربين عالميتين في القرن العشرين؟

نلحظ اليوم، وجوهاً عدة من هذا الصراع في صورة تناقضات صريحة بين المصالح الأمريكية والمصالح الأوروبية في الحرب التجارية غير المعلنة بين أكبر رأسماليتين في العالم (الأمريكية والصينية: مع أن الصين بلد من منظومة الجنوب لا من الغرب)؛ في العقوبات الأمريكية والأوروبية للاقتصاد الروسي (الرأسمالي اليوم)؛ في التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ في الخلاف الأمريكي الأوروبي على حلف شمال الأطلسي، ورفض واشنطن مبدأ قيام «جيش أوروبي موحد»، والإصرار على إخضاع أوروبا لمظلة الأطلسي بما هو تحكم في مصيرها؛ في الخلاف على السياسات النقدية بين المراكز الاقتصادية الأربع (أمريكا والصين وأوروبا واليابان). وليس معروفاً حتى الآن، ما إذا كانت هذه الصراعات ستظل ملجومة بسقف التفاهمات والتسويات أم قد تجنح نحو التعبير عن بعضها في أشكال انفجارية؛ إذ كل شيء جائز في عالم المصالح والنزاع.

في المقابل اتخذ الصراع التقليدي بين الغرب والجنوب  الذي كان قد بدأ منذ انطلاق حركة الاستعمار قبل قرنين ونيف  شكل صراع جديد بين الشمال والجنوب، بعد أن توحد شطرا الشمال و«تَرَسْمَلاَ» (الغرب والشرق). ولم يتحول العدو عند الشمال، من الشرق إلى الجنوب لمجرد أن عدو الغرب زال، وأن الحاجة ماسة إلى عدو جديد يعوضه، ولكن لأن الجنوب كان دائماً، رمزاً للعدو عند الغرب منذ تجربة الإبادة الجماعية للسكان الأصليين (الهنود الحمر) في القارة الأمريكية، ومنذ الجرائم الاستعمارية في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية بين نهاية القرن الثامن عشر والزمن الراهن (الجرائم الإسرائيلية في فلسطين المصادق عليها أمريكياً)؛ لذلك تجدد الصراع على نحو استغلت فيه دول الشمال أوضاعاً في الجنوب شاذة (انتهاكات حقوق الإنسان مثلاً)، وتذرعت بذرائع عدة (الهجرة السرية وتصدير جماعات الإرهاب ومحاولة حيازة أسلحة الدمار الكلي)، كي تشدد على دوله ومجتمعاته ضغوطاً خانقة وصلت إلى شن حروب على بعضها. 

لعل الإسلام والعرب أكثر من خُصوا بهذا العداء، من بلدان الشمال ونالوا عقاباً همجياً عن غير حق، وطال العقاب أوطانهم ومهاجريهم في بلدان الشمال على السواء. وليس صدفة في المعرض هذا، أن الحروب التي شنت في العالم  بعد انتهاء الحرب الباردة  إنما شنت على العرب والمسلمين حصراً، مباشرة (كما في حالات العراق وأفغانستان والصومال وليبيا)، أو بشكل غير مباشر عبر وكلاء محليين إرهابيين (كما في سوريا والعراق والجزائر ومصر ومالي). غير أن كثيراً من شعوب الجنوب الأخرى عانت  مثلنا  صوراً من الضغط والتخريب من دول الشمال آخرها في فنزويلا وبوليفيا، بعد البرازيل والأرجنتين، دون أن ننسى الحصار الدائم لكوبا. وما أغنانا عن القول إن عدوان الشمال على الجنوب ممتنع من غير تأليف لمنظومة جنوبية جديدة موحدة، قادرة على الدفاع عن أوطانها ومصالح شعوبها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"