عادي

الجهل هو الفيروس

23:21 مساء
قراءة دقيقتين
صالحة غابش

في ظروف استثنائية، يفتح معرض الشارقة الدولي للكتاب، أبوابه معلناً أنه بالرغم من التحدي الصحي الذي يعيشه العالم، والإجراءات غير المعهودة التي تتخذها البلدان، وتحدّ كثيراً من الحركة والنشاط، فإن العالم يقرأ من هنا.. من الشارقة، التي بادرت بإعادة الأمل إلى الحياة الثقافية بين دفتي كتاب.

وحين يذكر العالم بهذه الصيغة التفاؤلية المرتبطة بأرقى نشاط بشري متحضر، فإن ذلك يشير إلى أن العالم قادر على مواجهة كل ما قد يسبب توقفاً لبرامج التنمية، وخطط التطوير، أو يسبب غلقاً للأبواب التي تشع منها المعرفة كما يورق فيها الأمل، رغم أن أبواباً كثيرة قد أغلقت لمواجهة هذه الهجمة المفاجئة حفاظاً على البقاء وسلامة البشر.

لكن عالماً بلا قراءة، يعني أنه عالم يواجه فيروساً أشرس سنظل في حرب معه ألا وهو الجهل.

العالم يريدُ العودة إلى القراءة، وإلى أحضان الكتاب عبر أروقةٍ مهرجانية تحتفي به، والشارقة بهويتها الثقافية الإنسانية أبت إلا أن تدع للمنفذ الأحب والأجمل للكتاب مجالاً لأن يُطِلَّ عبره عشاقُ القراءةِ على محتوى يُحرر العقل من مخاوف أثارها هذا الكائن، وتحنو على المشاعر بما يطمئنها أن الحياة لا تزال تسير بخطواتها المقدر لها، وأن الحياة البشرية لم تَخلُ يوماً من تحديات تصل خطورتها إلى تهديد حياة الإنسان، لكنها لا تهدد قدرته على التفكير والإبداع في مواجهة هذه التحديات كي تتعافى الحياة، وتعود إلى ملامح أجمل، ونظرة متجددة لها.

إن لحظات الاستغراق في القراءة واستسلام المدارك لها، هي إنقاذ من استسلام آخر لا علاقة له بسنة الحياة، والحركة الدؤوب التي تبقي قلبها نابضاً، فالاستسلامُ للخوف والرعب مرض، وقد تكون القراءة واحدة من آليات الإنقاذ من كل المشاعر السلبية التي تبطئ حركة السير لتحقيق الأحلام، واللحاق بالطموحات.. فبالقراءة تنسحب عن الذاكرة صورة «كورونا».. ولا يبقى إلا الفِعل الذي ينير هذه الذاكرة بمتعة تخزين المعرفة والعلم فيها، ويزيدها إيماناً بأن ما يحصل في حياتنا من أثر لشيء يُرى أو لا يُرى بعين، إنما هو أقدارٌ، وبمشيئة الخالق سبحانه سيأتي وقت وتتغير فيه الأحوال، ولا يبقى منها إلا حكاياتٌ ستكون مداداً لكتبٍ تقرؤها أجيالٌ وأجيالٌ، وأفكار لتأليف نصوص أدبية كالشعر والرواية والقصة والمسرح.. ولطرح موضوعات للتاريخ تربط الزمن بالحدث المثير الذي يتجاوز السياسي والاقتصادي والاجتماعي، إلى الصحي والتربوي والتعليمي.

كأن معرض الشارقة للكتاب هذا العام قد أنعش فينا الشوق لرائحة الكتب المنبعثة من صفوفها على أرفف لا حصر لها، ولعناوينها وأصنافها، وألوانها وأشكالها، وموضوعاتها ومحتوياتها.. نعم، لدينا في بيوتنا ومكتباتنا الخاصة ما يكفي لأن نقرأه في سنوات، لكن ذلك الكتاب المطل من نافذة معرض، له نكهته الخاصة، ورونقه المختلف الذي يجدد فينا الحياة والأمل والثقافة والجمال.

صالحة غابش

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"