«الذئاب الرمادية» محل «الدواعش»

23:58 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عصام نعمان

تقاسي اوروبا حالياً، من جائحتين: كورونا المتفاقمة، والإرهاب المتجدد. فما كادت فرنسا تلملم جراحها بعد العملية الإرهابية المدوّية في كنيسة نوتردام، بمدينة نيسن حتى نفّذ إرهابي من اصل ألباني عملية إرهابية مروّعة في قلب فيينا، عاصمة النمسا.

 وأضفى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في ردّة فعله على الجريمة النكراء طابعاً دينياً، وكذلك فعل غيره من السياسيين، وبعض الإعلام.

 إضفاء طابع إسلامي على جرائم الإرهابيين استثار مشاعر وعتب عدد من رؤساء دول إسلامية كانوا استنكروا وشجبوا، بشدّة، تلك الجرائم، وأعلنوا تضامنهم مع فرنسا. وزير خارجية فرنسا جان ايف لودريان، تفهّم مشاعر الرؤساء المسلمين، وعتبهم فكان أن بعث من أمام الجمعية الوطنية الفرنسية ب«رسالة سلام إلى العالم الإسلامي» لفت فيها إلى أن فرنسا كانت دائماً «بلد التسامح، لا الازدراء، أو النبذ».

 وظاهرة استشراء الإرهاب في دول أوروبا استوقفت المسؤولين السياسيين، والأمنيين. ففي حين تمّت العمليتان الإرهابيتان في باريس، ونيس، على يدَي شخصين لم يثبت التحقيق أنهما ينتميان إلى تنظيم إرهابي معيّن، ما جعلهما أقرب إلى توصيف «الذئاب المنفردة»، فإن الإرهابي الألباني الأصل، حامل جنسية مقدونيا الشمالية الذي نفذّ عملية فيينا تبيّن أنه «داعشي»، بل إن تنظيم «داعش» أصدر بياناً تبنّى فيه العملية الإجرامية.

 وتنظيم «داعش» لا ينشط، على ما يبدو، في دول أوروبا، وحسب، فهو يقوم بعمليات خاطفة في كل من العراق، وسوريا، أيضاً، ويشتبك بوتيرة شبه يومية مع أجهزة الأمن المحلية فيهما.

 إلى ذلك، تبيّن أن لتنظيم «داعش» منافساً قوياً. أين؟ في فرنسا تحديداً. فقد أعلن، يوم الثلاثاء الماضي، وزير الداخلية الفرنسي جيرالد بارمان «ان الحكومة الفرنسية ستتخذ قراراً بحلّ «حركة الذئاب الرمادية» القومية التركية المتطرفة. وكانت أجهزة التحقيق الفرنسية وجهت أصابع الاتهام إلى هذه الحركة بعد الصدامات التي وقعت أخيراً، بين الجاليتين التركية، والأرمنية، في ديسين- شاربيو قرب مدينة ليون (شرق). كذلك، كتبت عبارة «الذئاب الرمادية» على نصب تكريمي لضحايا الإبادة والمركز الوطني للذاكرة الأرمنية قرب ليون، ليل السبت-الأحد الماضي.

 من تراها تكون «الذئاب الرمادية»؟ تُعتبر هذه المنظمة المتطرفة الذراع المسلّحة لحزب الحركة القومية التركي الذي يعارض أيّ تسوية سياسية مع الكرد الأتراك، وهو يعادي الأرمن بالطبع، وقد أُتهم في الماضي بممارسة انشطه إرهابية.

 وتُركّز «الذئاب الرمادية» في دعوتها وأفكارها على تفوّق العرق والشعب التركيين، ووجوب استعادة أمجادهما، وتاريخهما التليد، والسعي لتوحيد الشعوب التركية في دولة واحدة تمتد من منطقة البلقان في أوروبا، إلى آسيا الوسطى. هذه القواسم المشتركة هي التي تجمع بين «الذئاب الرمادية»، ومن ورائها حزب الحركة القومية، وحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه الرئيس التركي أردوغان.

 اللافت في أدبيات حركة «الذئاب الرمادية»، وسياستها، التشدد في محاولتها الدمج بين الهوية التركية، والإسلام. ويتبدّى ذلك في خطابات مسؤوليها، ودعاتها، وأطروحاتهم، وفي معاداة سائر القوميات التي تزخر بها تركيا كالكرد، والعرب، واليونانيين، والأرمن، كما باقي الطوائف الدينية كالمسيحيين، واليهود.

ولا شك في أن التحالف المتين القائم بين حزب العدالة والتنمية والحركة القومية ينعكس إيجاباً على «الذئاب الرمادية» التي تؤيد سياسة أردوغان التوسعية، ووجود تركيا السياسي، والعسكري، والاقتصادي، في الصومال، والخليج، والعراق، وسوريا، وليبيا.. هذا الوجود التركي المتشعب يتيح ل«الذئاب الرمادية» توسيع رقعة نشاطها الإرهابي.

 وفي ضوء هذه الواقعات والتطورات يلّح مطلبان:

 أن يتوقف قادة دول أوروبا عن التسرّع والاستسهال في إضفاء طابع إسلامي على كل نشاط لتنظيم إرهابي، وعلى نسبة كل عملية إرهابية ينفذها، أو يشارك فيها مسلمون في أوروبا، إلى الإسلام.

 أن يسارع القادة والمفكرون والإعلاميون العرب إلى تظهير الفارق الروحي، والحضاري، والسياسي، بين الإسلام العربي، والإسلام التركي، في الحاضر، والمستقبل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مُجاز في الحقوق ودكتور في القانون العام ومحام منذ السبعينات .. أستاذ محاضر في القانون الدستوري في الجامعة اللبنانية زهاء عشر سنوات .. نائب ووزير سابق .. له مؤلفات عدة وعديد من الأبحاث والدراسات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"