لبنان: «الثلث المعطّل» يعطّل

01:18 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. عصام نعمان

يعيش لبنان (أو لا يعيش؟) من دون حكومة منذ انفجار مرفأ بيروت مطلعَ شهر أغسطس/آب الماضي. فقد استقالت حكومة حسان دياب ولم يستطع أهل اللاحل واللاربط بين «الحاكمين» تأليف حكومة بديلة حتى بعدما توافقوا على تسمية سعد الحريري رئيساً مكلفاً لتأليف حكومة جديدة. فقد أمضى الحريري أربعة أشهر ونيّف في اتصالات ومشاورات ومحاولات للتوصل إلى صيغة تسوية للحكومة المطلوبة، ولكن دونما جدوى.. لماذا؟

 لأسباب متعددة، هاكم أهمها:

 ثمة خلاف على عدد الوزراء في الحكومة الجديدة. رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يريدها موسعة، عددُ وزرائها لا يقل عن 22، فيما الحريري يريدها مصغّرة بِ 18 وزيراً.

 تتصل بحجم الحكومة مسألة خلافية أخرى هي «الثلث المعطّل». ذلك أن المادة 65 من الدستور تنصّ على أن بعض القرارات لا يستطيع مجلس الوزراء إقرارها إلاّ بأكثرية ثلثي عدد أعضائه. وعليه، يريد الرئيس عون حيازة الثلث المعطّل ليكون قرار الحكومة بيده، في حين أن الحريري يريد الثلث المعطّل لنفسه.

 تزداد هذه المسألة تعقيداً بوجود الفقرة 4 من المادة 53 من الدستور التي تنص على تشارك الرئيسين في تشكيل الحكومة بحيث يُوقَع مرسوم تشكيلها من الرئيسين معاً. وفي حال اختلافهما يتأخر تأليف الحكومة إلى ما شاء الله.

 ليست القوى السياسية المتنافرة في الداخل وحدها من يدلي بشروطٍ لتأليف الحكومة بل تشاطرها هذا الموقف قوى وازنة في الخارج. فالرئيس الفرنسي مانويل ماكرون كان حضر إلى لبنان مرتين لحثّ زعماء القوى السياسية على الخروج من الأزمة وفقاً لمبادئ معينة ضمّنها مذكرة وعده معظم الزعماء بالتزامها في تشكيل الحكومة. أما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فقد هدد بالمزيد من العقوبات إذا ما جرى تمثيل حزب الله في الحكومة الجديدة.

 الرئيسان عون والحريري وافقا على تلبية مطلبي ماكرون وترامب، إلاّ أنهما اصطدما بإصرار رؤساء الكتل البرلمانية على تسمية حصصهم من الوزراء في الحكومة الجديدة أو الموافقة على أسمائهم مسبقاً كشرط لمنحها الثقة.

 إلى ذلك، تتنازع القوى السياسية المتنافرة على جملة قضايا خلافية أهمها مسألة رفع دعم الحكومة لمجموعة من المواد والسلع المتعلقة بالغذاء والدواء والوقود، أو ترشيد الدعم باختصار عددها ونوعها، ومسألة التدقيق المحاسبي والجنائي لحسابات مصرف لبنان المركزي والمصارف الخاصة وإدارات الدولة ومؤسساتها ومجالسها، لاسيما بعدما امتنع مصرف لبنان عن تسليم «شركة الفاريز ومارسال» المستندات المتعلقة بحسابات الدولة وحسابات المودعين في المصارف بدعوى التزام أحكام قانون السرية المصرفية، ومسألة تسهيل تحويل مبالغ بالدولار لتأمين أقساط الطلاب اللبنانين الذين يدرسون في جامعات خارج لبنان، ومسألة سلاح حزب الله ومطالبة خصومه بضرورة تسليمه للدولة.

 غير أن المسألة الأكثر إثارة للجدل والاختلاف هي إجراء انتخابات نيابية مبكرة أو عدم إجرائها قبل انتهاء ولاية البرلمان الحالي في شهر مايو/أيار سنة 2022. محور الجدل والاختلاف قانون الانتخابات الجديد، إذ تطالب قوى سياسية متعددة بإقراره قبل الانتخابات القادمة. فقد تقدّمت الكتلة البرلمانية لرئيس مجلس النواب نبيه بري باقتراح قانون مبني على أسس اعتماد لبنان كله دائرة وطنية واحدة، والتمثيل النسبي، وخفض سنّ الاقتراع إلى الثامنة عشرة، وعدم التقيّد بالتوزيع الطائفي للمقاعد النيابية. إلا أن القوى السياسية المسيحية رفضت اقتراح القانون هذا بحجة أنه مخالف للمناصفة (الطائفية) المنصوص عليها في الدستور، ويخدم القوى السياسية الإسلامية كما العلمانية.

 إزاء هذه الخلافات التي تكتنف مسألتي تشكيل الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة أو عدم إجرائها، كما الخلاف بشأن قانون الانتخابات الجديد، ينهض سؤال ملحاً: هل تتوافق القوى السياسية المتناحرة على إجراء إنتخابات مبكرة في ظلّ أحكام قانون الانتخابات الحالي، وهل يمكن أن تتوافق هذه القوى المتناحرة على انتخاب رئيس جمهورية جديد خلفاً للرئيس عون الذي تنتهي ولايته في شهر تشرين الاول/أكتوبر سنة 2022؟

 من الصعب التبّرع بجواب قاطع في الوقت الحاضر. ومع ذلك، يجب التحسّب لاحتمالين خطيرين: الأول، انفجار صراع أهلي أمني يحول دون إجراء انتخاب برلمان ورئيس جمهورية جديدين. الثاني، أن يؤدي الصراع بين القوى السياسية إلى توافق على تمديد ولاية مجلس النواب الحالي سنة أو سنتين، وكذلك تمديد ولاية الرئيس عون مدة مماثلة.

 في كلتا الحالتين، لن يكون وضع لبنان في السنوات الأربع المقبلة آمناً.. فحدّة الأزمات التي تعصف به قد تدفعه إلى مهاوي اضطرابات أمنية تنعكس سلباً على كيانه الوطني الهش.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مُجاز في الحقوق ودكتور في القانون العام ومحام منذ السبعينات .. أستاذ محاضر في القانون الدستوري في الجامعة اللبنانية زهاء عشر سنوات .. نائب ووزير سابق .. له مؤلفات عدة وعديد من الأبحاث والدراسات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"