تأملات على هامش الانتخابات الأمريكية

22:51 مساء
قراءة 4 دقائق

د.إدريس لكريني

تحظى الانتخابات الرئاسية الأمريكية باهتمام دولي كبير، وهو ما يجد أساسه في المكانة التي تستأثر بها هذه الدولة كقطب وازن على المستوى العالمي، وحضورها القوي على مستوى تدبير عدد من الملفات والقضايا، وتمثيليتها الوازنة داخل عدد من المؤسسات الإقليمية والدولية.

إضافة إلى أن الشعارات والبرامج التي يرفعها المرشحون في الاستحقاقات الرئاسية، غالباً ما توازن بين أولويات داخلية، وأخرى خارجية، وهو ما يضفي عليها طابعاً (الانتخابات) من التشويق والإثارة، بما يجعلها تحظى بمتابعة ومواكبة أكاديمية وإعلامية دولية واسعة..رافق وصول الرئيس «دونالد ترامب» إلى البيت الأبيض قبل أربع سنوات، نقاشات وسجالات أكاديمية وسياسية مختلفة، بالنظر إلى طبيعة الشعارات التي رفعها، والسياسات التي باشرها على مختلف الواجهات.

 فعلى المستوى الداخلي، قام بتغيير قانون الرعاية الصحية «أوباماكير»، فيما ظل تواصله متوتراً مع عدد من القنوات الإعلامية، ومع عدد من معارضيه السياسيين، وشكّل انتشار جائحة كورونا داخل التراب الأمريكي بصورة خطِرة، أزمة حقيقية لم يستفد منها «ترامب» ما دفع بخصومه إلى اتهامه بالاستهتار بأرواح المواطنين، والتراخي في التعاطي مع الأمر بالجدية والمسؤولية المطلوبين، وخصوصاً بعدما خلّف الوباء حصيلة ثقيلة في الأرواح (نحو 240 ألف ضحية) والإصابات (نحو 10 ملايين و300 ألف مصاب)، إضافة إلى خسائر فادحة مني بها الاقتصاد الأمريكي.

 تعرضت شعبية «ترامب» للاهتزاز والتراجع، مع اندلاع احتجاجات واسعة عمّت عدداً من الولايات الأمريكية، بعد مقتل مواطن من أصول إفريقية يدعى «جورج فلويد»، وبروز مجموعة من الانحرافات في تعامل السلطات مع الاحتجاجات، وصدور تصريحات عن الرئيس، لا تخلو من نبرة عنصرية.

 أما على المستوى الخارجي، وانسجاماً مع شعاره: «أمريكا أولاً»، أصدر «ترامب» مجموعة من القرارات القاسية، كما هو الشأن بالنسبة للانسحاب من بعض المنظمات الدولية، «كاليونسكو» بذرائع واهية أهمها انحيازها ضد إسرائيل، ومن بعض الاتفاقيات المهمة كاتفاقية باريس للمناخ، واتفاقية التجارة العابرة للمحيط الهادئ، إضافة إلى الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها، ثم قطع المساعدات عن «الأونروا»، واعتماد تدابير صارمة بخصوص استقبال اللاجئين، ومنع دخول رعايا عدد من دول العالم إلى التراب الأمريكي، كما غيرت الإدارة الأمريكية من سياساتها حتى تجاه حلفائها التقليديين، بعد توجهها نحو ترشيد نفقاتها داخل حلف الأطلسي، والدعوة المتكررة لأعضائه بتحمل المزيد من النفقات في هذا السياق؛ بل وأصبح واضحاً أن السياسة الأمريكية أصبحت تعاكس بشكل واضح سياسة عدد من دول الاتحاد الأوروبي، وبخاصة فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني.

شكّلت الانتخابات الرئاسية الأخيرة محطة لتقييم أداء «ترامب» من قبل الناخب الأمريكي، فيما استطاع مرشح الحزب الديمقراطي «جون بايدن» أن يستغل لصالحه مجموعة من الأخطاء التي ارتكبها خصمه، على الرغم من قوة التنافس بين الطرفين، التي أخذت طابعاً حاداً في كثير من اللحظات..أدار «بايدن» حملته الانتخابية بكل هدوء واتزان، كما حوّل لصالحه الكثير من الأخطاء والهفوات التي سقط فيها خصمه، وجعل من الاختلالات التي خلفها تدبير الجائحة منطلقاً لتوجيه سهام النقد الحاد إلى «ترامب».

 ومع الوافد الجديد للبيت الأبيض، يتجدد طرح الكثير من الأسئلة، حول ما إذا كانت الإدارة الجديدة ستستفيد بالفعل من أخطاء الماضي، باتجاه إعادة النظر في عدد من الملفات والقضايا الداخلية الحيوية كالصحة والاقتصاد، وتدبير أزمة «كورونا»، وتجاوز بعض مظاهر الانحراف في التعامل مع الاحتجاجات الشعبية. وعلى المستوى الدولي، لا يخفي الكثيرون تفاؤلهم من الرئيس الجديد الذي بعث عدداً من الإشارات الإيجابية إلى المجتمع الدولي، وبخاصة على مستوى المساهمة في تعزيز السلم والأمن الدوليين، وفي المنطقة العربية، التي حظيت فيها الانتخابات الأخيرة بمتابعة إعلامية وشعبية واسعة، تباينت الرؤى والمواقف بشأن النتائج التي أسفرت عنها، بين التفاؤل تارة والتشاؤم تارة أخرى.

إن المراهنة على هذا الرئيس الأمريكي أو ذاك، في السعي لخدمة عدد من المصالح والقضايا العربية، تنطوي على قدر كبير من المبالغة، وعدم استيعاب كيفية اتخاذ القرارات الخارجية داخل الولايات المتحدة؛ حيث يعد الرئيس فاعلاً في هذا الخصوص إلى جانب عدد من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية. فالرئيس «ترامب»، لم يكن أسوأ من سابقيه، وهو ما يؤكده احتلال العراق، وفرض الحصار على ليبيا والسودان..، واستهداف عدد من المصالح في المنطقة، والتساهل مع إسرائيل في فترات سابقة.

 إن الظروف الصعبة التي تعيش على إيقاعها المنطقة العربية في الوقت الراهن، من حيث تردي الأوضاع الأمنية في عدد من الدول، وتمدد الجماعات الإرهابية في مناطق شتى، وضعف العمل المشترك، وتصاعد الخلافات البينية، ثم تباين المواقف إزاء عدد من القضايا الإقليمية والدولية، إضافة إلى الفراغ الذي أحدثه انهيار النظام الإقليمي العربي بكل مكوناته ومقوماته، ما فتح المجال لعدد من القوى الإقليمية والدولية لتلعب أدواراً سيئة في المنطقة.. كلها عوامل تجعل من هذه الأخيرة فضاء مفتوحاً على كل الاحتمالات، بما في ذلك تنفيذ استراتيجيات وأجندات أمريكية علنية أو خفية، لن تكون بالضرورة لصالح الأقطار العربية وشعوبها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"