تحرير معبر الكركرات.. السياق والدلائل

22:37 مساء
قراءة 3 دقائق

د.إدريس لكريني

على امتداد العقدين الأخيرين، شهد ملف قضية الصحراء المغربية تطورات ملحوظة، على المستويين الداخلي والخارجي، ما أتاح مواجهة وإفشال الكثير من التحركات والطروحات التي قادتها جبهة البوليساريو.

إن دعم كثير من الدول للمغرب، وسير مجلس الأمن باعتباره المسؤول الرئيسي عن حفظ السلم والأمن الدوليين على نهج تثمين جهوده المتّسمة بالجدية والمصداقية، وخاصة بعد طرح مشروع الحكم الذاتي، لم يكن صدفة، بل هو نتاج طبيعي لعدالة الموقف المغربي وواقعيته، وحصيلة موضوعية لمبادرات وازنة، تم اتخاذها، سواء على المستوى الداخلي، بالسعي إلى ترسيخ الديمقراطية المحلية وتعزيز الخيار الجهوي، وبلورة مبادرات تنموية واعدة تستحضر الإنسان والمجال، أو على المستوى الخارجي، من خلال الحرص على إرساء دبلوماسية استراتيجية ودينامية ومبادرة تواكب التحولات الجارية، وتستحضر في عمقها المرافعة القانونية، وتتجاوز ردّ الفعل إلى المبادرة والاستباقية.

ففي مواجهة الخطابات المتجاوزة للبوليساريو، قام المغرب بطرح مشروع الحكم الذاتي الذي يجسّد حلّا توفيقياً بين مطلبي الاستقلال من جهة وفرض السيادة الكاملة من جهة أخرى. في مرحلة زمنية كان يطبعها الجمود والتأزّم، بعد ازدياد المخاوف من انهيار اتفاقيات وقف إطلاق النار، في أعقاب استقالة المبعوث الأممي «جيمس بيكر»، وبعد أن أقرت الأمم المتحدة نفسها بأن السبل المجرّبة سابقاً، لم تفرز حلولاً، ولم تعد لها أهمية أو راهنية، سواء تعلّق الأمر منها بمطلب تقرير المصير في شكله التقليدي أو خيار الاستفتاء.

وفي أعقاب الدعوات التي رفعتها البوليساريو بصدد توسيع صلاحيات «المينورسو» لتطال مراقبة أوضاع حقوق الإنسان في المنطقة، كان موقف المغرب واضحاً وصارماً في هذا الصدد، حيث رفض أي تجاوز لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، كما فشلت الجبهة أيضاً في إقناع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بأطروحة استغلال الثروات الطبيعية، تحت قوة وموضوعية الردود المغربية.. وبالموازاة مع ذلك، استطاع المغرب تحقيق مجموعة من الانتصارات الدبلوماسية، وخاصة بعد الانضمام إلى الاتحاد الإفريقي، وتمكّنه من الدفاع عن تصوراته حول ملف القضية وتمريرها بطريقة مباشرة، أتاحت تجاوز المواقف الأحادية المغلوطة التي ظلّت تتردد داخل جنبات الاتحاد بصدد القضية.

وانسجاماً مع هذه الدينامية، لم تتوقف قرارات مجلس الأمن في السنوات الأخيرة، عن الدعوة إلى توفير المناخ الإقليمي الإيجابي لتسوية هذا الملف في إطار من حسن النية.. وعلى ضرورة بلورة حلّ سلمي، واقعي، وتوافقي، ما يفهم من ذلك رفضاً لكل الحلول السابقة، مع المطالبة باحترام وقف إطلاق النار، والتوقف عن انتهاكات الاتفاقات المبرمة في هذا الصدد، وفي ذلك إشارة لما تقوم به البوليساريو كل حين للعودة إلى واجهة الأحداث.

كما ظلّ المجلس في هذه القرارات، يشير إلى جدّية ومصداقية المبادرة المغربية للحكم الذاتي، مع الإقرار بالهدوء الذي يعمّ الصحراء المغربية، وهو ما يحيل إلى الاقتناع بما أصبحت تعرفه المنطقة من استقرار وما تشهده من مشاريع تنموية واعدة، وهو ما يؤكده فتح عدد من الدول لقنصليات في مدينة العيون اقتناعاً منها (الدول) بمصداقية الجهود المغربية.

وأمام هذه المكتسبات التي حققها المغرب، وبعد الفشل في الترويج لمغالطاتها، بدأت البوليساريو في نهج أسلوب جديد يقوم على توظيف أسلوب «الإدارة بالأزمة» للعودة إلى الواجهة، من خلال خرق اتفاقات وقف إطلاق النار، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة ومحاولة فرض الأمر الواقع عبر سلوكيات أحادية الجانب، وقد وصل الأمر في هذا الخصوص إلى حدّ قطع الطريق أمام حرية انتقال الأفراد والسلع بالمنطقة العازلة لكركرات باتجاه موريتانيا، ما يشكل خرقاً لمقتضيات القانون الدولي ولاتفاق وقف إطلاق النار وضرباً لجهود الأمم المتحدة السلمية، وإساءة لمصالح المغرب ووحدته.

ورغم خطورة الاستفزازات التي انتهجتها البوليساريو في هذا الشأن، فقد تعامل المغرب مع الوضع بقدر كبير من المسؤولية وعدم التسرّع، لكن وأمام استمرار هذه الخروقات، التي تمثل في مضمونها تهديداً للسلم والأمن الدوليين في منطقة استراتيجية، وعدم وجود مؤشرات لتحرك الأمم المتحدة أو الدول المجاورة لوقفها، باشرت القوات المسلحة الملكية عملية غير هجومية، تنسجم مع متطلبات الشرعية الدولية، وعدم استخدام السلاح إلا في حالات الدفاع عن النفس، حيث نجحت في وضع حزام أمني يسمح بإعادة الأمور إلى نصابها، بتأمين تدفق السلع والأفراد عبر المنطقة العازلة لكركرات.

إن ما قام به المغرب في هذا الخصوص يمثل حقاً مشروعاً في الدفاع عن النفس، وتعزيزاً للأمن، ودعم الاستقرار في المنطقة برمتها، بمنع تأزيم الوضع في هذه المنطقة الحبلى بالتحديات والمخاطر العابرة للحدود، ورسالة واضحة بأن المملكة مستعدة لكل الخيارات لمواجهة الاستفزازات والانتهاكات التي تمس وحدتها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"