مبادرة بوتين

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

فيصل عابدون

أظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الكثير من الحنكة والمهارة السياسية في اتفاق وقف إطلاق النار الشامل بين أرمينيا وأذربيجان، فالاتفاق الذي منح الجانب الأذري ثمار المعارك  وحرم منها الحليف الأرمني، كرس مكانة بوتين باعتباره الوسيط الأكثر موثوقية في هذا النزاع القوقازي المسدود الأفق والملغم بمشاعر عدم الود.

هذه الثقة التي اكتسبها بوتين ستكون بلا شك عاملاً رئيسياً في تسلمه زمام المبادرة في جهود الوساطة بين الطرفين في مراحل الصراع اللاحقة، فما حدث في موسكو في العاشر من الشهر الجاري لا يعدو كونه اتفاقاً للهدنة بين الطرفين المتحاربين وليس اتفاقاً لتسوية النزاع كما أن الموافقة عليه من قبل الرئيس الأذري إلهام علييف ورئيس الحكومة الأرمينية نيكول باشينيان جاءت تحت ضغوط الواقع العسكري .

وبرزت مهارة الرئيس الروسي في أنه استفاد من واقع التراجع العسكري لحليفه الأرمني لإقناعه بمزايا اتفاق الهدنة، كما اغتنم فرصة ارتباك الطرف الأذري وخوفه من انتقام موسكو بعد حادث إسقاط الطائرة ليطرح عليه الاتفاق الذي يضع حداً لزحف قواته على أرض المعركة ويحرمه من فرصة إعلان النصر .

لقد خلفت معارك الأسابيع الستة الماضية أكثر من 2400 قتيل وآلاف الجرحى والمشردين. وكانت الخسائر مؤلمة بشكل خاص للطرف الأرميني الذي وقف يحارب وحيداً، بينما كانت تركيا تزود الجيش الأذري  بأسلحة المدفعية والطائرات المسيرة وكتائب المرتزقة، ولهذا السبب  وصف رئيس الوزراء باشينيان الموافقة على اتفاق الهدنة بأنه قرار مؤلم لكن الاستمرار في الاقتتال أشد إيلاماً. بينما أبقى الاتفاق قوات أذربيجان في مواقعها بينما كانت تتأهب لاقتحام مدينة ستبانكرت عاصمة إقليم ناجورنو كاراباخ وكبرى مدنه.

هذه الظروف مجتمعة منحت بوتين الفرصة للسيطرة على مفاتيح الصراع وتهميش دور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي اندفع إلى حلبة الصراع بشكل أعمى وكان يتطلع لتحقيق نصر إقليمي يعزز به قيادته المهتزة بعد تعثر مغامرته في ليبيا وتراجع نفوذه في كل من سوريا والعراق مع تنامي الانشقاقات داخل حزبه السياسي وتعاظم دور المعارضة التركية الساعية لإسقاطه.

إن أي مقارنة بين بوتين وأردوغان لن تكون لصالح الأخير. فبوتين رجل مخابرات عريق ومتمرس وقد أكسبه وجوده على قمة السلطة السياسية معرفة عميقة بدهاليز وكواليس الصراعات والأزمات الإقليمية والدولية، وباعتباره زعيماً لدولة نووية كبرى فإنه يتوفر على نفوذ حاسم فيما يتصل بمقارباته ومبادراته على المستويين الإقليمي والدولي.

كما أن الرجل يمتلك الصبر والمهارة للتدخل في الوقت المناسب وإحداث الفارق. فرجال المخابرات يتميزون بالبرود وعدم الاكتراث بالمشاعر القومية في حسابات الربح والخسارة وهم بعيدون عن الغرور ولا يستعجلون الأمور أو يتلهفون على قطف الثمار وهم بارعون خصوصاً في إشعال الحرب وإطفاء نيرانها في توقيتات محسوبة بدقة وفقاً لأولويات السياسة والاستراتيجيات الموضوعة لتحقيق المصالح المرجوة.

لقد ضمنت مبادرة بوتين التي حظيت بالدعم والمباركة الدولية انتصاراً سياسياً لروسيا مع نهاية عام 2020 ، وهو انتصار يمكن استثماره بشكل جيد في العام المقبل لتعزيز دور الدبلوماسية في تسوية نزاعات منطقة القوقاز التي تشكل العمق الحيوي لأمن الدولة الروسية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"