السلام الروسي في القوقاز

00:11 صباحا
قراءة دقيقتين
1

إن «وقف إطلاق النار الكامل» الذي أبرمته أرمينيا وأذربيجان في 9 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي تحت رعاية موسكو في منطقة ناجورنو كاراباخ، يكرس هجومات الجيش الأذربيجاني منذ بداية عهده في 27 سبتمبر. وبموجب شروط هذا الاتفاق، تستعيد باكو السيطرة على جميع المقاطعات السبع المجاورة لناجورنو كاراباخ التي كانت تحت سيطرة أرمينيا منذ التسعينات، ويمكن للأذربيجانيين الذين غادروها العودة. وقد تم نشر «قوة سلام» قوامها 2000 جندي روسي في الجيب نفسه، وستوفر الأمن للممرات في البلدين.

ولم تُعرف بعد حصيلة القتلى البشرية لهذه الاشتباكات، لكنها قد تصل إلى عدة آلاف من الجانبين. وإضافة إلى هذه التكلفة المأساوية، فإن أي محاولة لتحديد الفائزين والخاسرين ستؤدي للأسف، إلى صورة مزعجة للأطراف المتحاربة.

ومن الواضح أن الخاسر الأكبر هو أرمينيا. ويجب أن تستعيد الأراضي التي احتلتها أذربيجان، لكنها قبل كل شيء ستفقد السيطرة العسكرية على إقليم ناجورنو كاراباخ الذي تم التنازل عنه الآن لحليفها الروسي، وبترها من شوشا (مدينة في منطقة مرتفعات كاراباخ في جمهورية أذربيجان). 

وعلى حكومة نيكول باتشينيان أن تواجه استياء السكان من شروط وقف إطلاق النار. وهو الآن يدفع ثمن عدم استعداده لهذا الصراع على الرغم من علامات التحذير وإدارته المبهمة للصراع بالنسبة الأرمن، الذين تمت دعوتهم للذهاب إلى الجبهة عندما تحول الوضع إلى كارثة.

ويمكن لأذربيجان ورئيسها إلهام علييف أن يقدما نفسيهما على أنهما الفائزان الحقيقيان، لكن هذا النصر تحقق بدعم تركي وعلى حساب نشر القوات الروسية على أراضيها.

وبالتالي، يبدو أن الفائز الحقيقي في هذه العملية المحزنة هو روسيا التي توطد نفسها سيدة للنظام الإقليمي، بفضل قوتها العسكرية. أما تركيا فتحاول أن تكون لها حصة، وقد أسهمت المعدات العسكرية بما في ذلك الطائرات المسيرة، التي قدمتها تركيا لأذربيجان، في تفوق قواتها على الأرض، فضلاً عن المرتزقة السوريين الذين أرسلتهم أنقرة إلى هناك.

أما فلاديمير بوتين، فقد نجح من جانبه، في تعزيز قبضته على البلدين المتحاربين في نفس الوقت، وذلك بعد ست سنوات من غزو أوكرانيا، وتوسيع وجوده العسكري في فضاء ما بعد الاتحاد السوفييتي على حساب اقتصاده. بالنسبة لأرمينيا، التي قالت إنها قامت بثورتها الديمقراطية قبل عامين، تظهر أنها لا تزال بحاجة لموسكو.

وثمة خاسر آخر هو الدبلوماسية الأوروبية. فهذه الحرب ختمت بفشل مجموعة مينسك التي أنشأتها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE)، مع روسيا والولايات المتحدة وفرنسا كرؤساء مشاركين. ويبدو أن سنوات المفاوضات المتراخية تحت رعايتها لم تأتِ بشيء. فالتسوية التي فرضها وقف إطلاق النار لا تفي بمبادئ مدريد التي كان من المفترض أن تطبقها الجماعة. فعلى سبيل المثال، لا يوجد أي ذكر لناجورنو كاراباخ، وهو صراع آخر، يتجمد مرة أخرى، في منطقة جوار الاتحاد الأوروبي.

* صحيفة اللوموند

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"