الأمن القومي العربي

23:44 مساء
قراءة دقيقتين

تظل مسألة الأمن القومي العربي القضية الاستراتيجية الأكثر إثارة للجدل، وحريّ بها أن تستحوذ على اهتمام وعناية القادة والخبراء وصناع الاستراتيجية، لخطورتها ودورها الحاسم في تحقيق الاستقرار وحماية كيان الأمة ومكتسباتها وفرض هيبتها وتوفير الأمن الاجتماعي لإنسانها.

ويرتبط ظهور مفهوم الأمن القومي العربي بالمرحلة التالية لحروب الاستقلال وخروج المستعمر الأجنبي، وهو يمثل في تعريفه البسيط والمباشر قدرة الدول العربية مجتمعة على حماية كيانها ضد الأخطار الخارجية.

لكن المفهوم أوسع نطاقاً بكثير من محاولة حصره في نطاق الوصول إلى نقطة التكافؤ أو التفوق العسكري على مصادر التهديدات الخارجية، على الرغم من الأهمية البالغة لهذا الجانب الذي بدونه لا تتحقق حماية أو أمن أو سلام. فالقوة العسكرية يجب أن تسندها قوة الاقتصاد وحشد الموارد لأنهما يمثلان ضمانة لاستدامة القوة العسكرية لأداء مهامها. كما تسندها القدرة السياسية الفعالة على معالجة ووضع الحلول للأزمات والنزاعات الداخلية الطارئة وتجاوز الخلافات والانقسامات في الرؤى والأفكار والسياسات وإبقاؤها ضمن نطاقات ضيقة لاتؤثر في مجمل عمليات التنسيق الشامل أو فكرة التضامن نفسها.

وتحقيق الأمن القومي يرتبط أيضاً بالقدرة السياسية على استيعاب الأقليات في المجتمعات العربية ومعالجة إشكاليات الثقافة والهوية ودمج الأقليات في النسيج الاجتماعي بشكل يحقق الانسجام القومي ويحولها إلى عناصر قوة مضافة للكيان الكبير تزيد من تماسكه وصلابته ولا تضعفه.

إن الكيان العربي كان ولا يزال محط الأطماع الإقليمية والدولية بسبب تمدد رقعته الجغرافية الهائلة وثرواته الطبيعية وموقعه الجيوسياسي وطاقاته البشرية وموارده الظاهرة والخافية. كما أن المنطقة العربية ظلت منطقة الإشعاع الحضاري الأولى تاريخياً ومنها انطلقت كافة الديانات السماوية الكبرى.

وعلى مدى التاريخ العربي المعاصر لم تتوقف الدعوات وطرح الرؤى والخطط من قبل الزعماء والقادة والمفكرين لتحقيق الأمن القومي الشامل والعمل بكل الوسائل على هذه القضية شديدة الإلحاح والخطورة، بينما تباينت نتائج التطبيق كثيراً دون أن تصل إلى النموذج المثالي في تحقيق التضامن الذي يعبد الطريق أمام تحقيق المثال المرجو. ويمكن اعتبار الاتفاق على قيام جامعة الدول العربية، خطوة مبكرة في محاولات بلورة وتجسيد التضامن العربي، إذ قرعت القمم العربية نواقيس الخطر مطالبة بضرورة تعزيز التضامن العربي لمواجهة التحديات والأخطار وبلورة رؤية عربية مشتركة تخدم المصالح العليا لدول المنطقة وشعوبها، غير أن البرامج الفعلية ظلت حبيسة الأدراج ومؤجلة. ومع استمرار حالة التشرذم والانقسام يبقى الخطر محدقاً وتبقى معه دعوات التضامن العربي متجددة حتى نصل إلى النموذج المثالي المطلوب، أو نقترب منه على الأقل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"