كلنا معرضون للتنمر

01:14 صباحا
قراءة دقيقتين

 

حين تزرع تعيش حالة من الترقب تنعش فيك الرغبة في العمل اليومي بأرضك، وأنت تطل كل صباح علّك ترى النبتة الأولى تشق طريقها من تحت التراب، ثم يكبر فيك فرح الانتظار لتقطف الثمرة الأولى؛ فرح يفوق متعة الإحساس بطعم الثمر ومذاقه في فمك.
الحالة نفسها يعيشها من يزرع خيراً في نفوس الأطفال، ويحرص على أن يطل عليها كل يوم ويرويها بعناية ويهذبها ويزيل الشوائب منها كي تتفتح وتنمو ثم تثمر. ليس المعلم وحده من يزرع ويروي تلك العقول الصغيرة والنفوس البريئة، بل كل من يعمل في المجال التربوي أو كل من يكون له تأثير مباشر على تربية وتعليم الأطفال، هو شريك في تلك الزراعة وفي جني ثمارها لاحقاً في كل بيت وفي المجتمع.
«الأسبوع الوطني للوقاية من التنمر في البيئة المدرسية»، الذي شهدناه في الإمارات وما تخلله من ورش تعليمية في المدارس وعن بُعد، يشبه ذلك الزرع المغروس في الأرض خصوصاً أنه شمل أطفالاً صغاراً ويافعين وأولياء أمور وعاملين في المجال التربوي وإداريين وممرضين ومشرفين على الحافلات وسائقين وعمال نظافة.. دائرة اتسعت لتضم كل من له علاقة من قريب أو بعيد بعالم الأطفال وكيفية التعامل معهم وحمايتهم من التنمر والتعرض لأي خلل قد يترك آثاراً سلبية على نفوسهم وسلوكهم.
أهم ما في تلك الحملة وأسبوع الوقاية من التنمر، بجانب ما تضمنه البرنامج من ورش وتوجيهات حول التنمر الإلكتروني، الأهم هو ما سيتم جنيه من ثمار طيبة بعد الانتهاء من الزراعة التي لا يجب أن تقتصر على موسم واحد مدته لا تتعدى الأسبوع المحدد للاحتفاء بالوقاية من هذه الآفة الاجتماعية والتربوية.
صحيح أن الحملة هذا العام استهدفت 1082 شخصاً، لكنها بلا شك تطال شريحة أكبر من الناس، لأن كل معلومة وصلت لطفل أو سائق أو مشرف أو عامل نظافة أو مدرّس أو ولي أمر، ستنتقل منه إلى كل المحيطين به ويتغير من تصرفاته أو تزيده حرصاً وحذراً ووعياً بما قد يتعرض له كل طفل ومراهق.
كلنا معرضون للتنمر الإلكتروني، لكن حين تصيبنا سهامه ونحن بكامل نضجنا الفكري والنفسي، قد تصيبنا ببعض الحزن أو الاشمئزاز، لكنها لن تحفر عميقاً لتعيق مسيرة حياتنا أو تعيدنا إلى الوراء فتترك ندوباً وجراحاً لا تلتئم كما تفعل بالأطفال واليافعين والشباب، الذين يغير أحياناً التنمر مسار حياتهم، ويسبب تشوهاً في نفوسهم.
التشوهات النفسية أيضاً لا تبقى محصورة بالحالات التي تعرضت للتنمر، بل تخلق متنمرين جدداً يمارسون نفس ما تعرضوا له مع غيرهم، وتكبر الدائرة وتتضخم الصورة لنجد حولنا أشكالاً من العنف تنمو في المجتمع، عندها لا نحصد سوى المزيد من العنف، وما أسهل انتشاره اليوم في ظل تزايد التواصل الاجتماعي الإلكتروني بسبب جائحة كورونا، وسهولة الوصول إلى الأطفال وتهديدهم وتخويفهم بعيداً عن أعين الكبار.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"