الولايات المتحدة والأزمان البيولوجية

23:06 مساء
قراءة 3 دقائق

محمد خليفة

كان الإنسان الأبيض الغربي، شأنه في ذلك شأن سائر البشر، قد تطور على مر الحقب، ومرّ بمراحل متنوعة ما بين انتصار وانكسار، إلى أن ساد الأرض وأحدث مناخاً بدأ به عصراً جديداً، وضع فيه هذا الكائن الجديد المتطور في سلسلة تحديات أسهمت، ولا شك، في تسارع تطوره ونقله إلى مرحلة جديدة، خصوصاً بعد انفصال الأمريكتين.

أما اليوم فقد أظهرت دراسات سكانية أجريت فيها أن عام 2024 سيكون هو العام الذي سيصبح فيه الأوروبيون البيض أقل من نصف سكان أمريكا، وأقلية أيضاً في عدد ناخبيها. لكن هل سيكون لهذا الانزياح الديمغرافي أثر على سياسة الولايات المتحدة، باعتبار أن باقي السكان هم من شعوب العالم النامي، خصوصاً من أفريقيا وأمريكا اللاتينية وبالتالي فهم يحملون هموم وآلام الشعوب النامية في مختلف بقاع الأرض؟

الواقع أن تحول البيض إلى أقلية لن يعني أبداً فقدانهم المزايا التي يتمتعون بها، فهم أساس الولايات المتحدة، وهم الذين صنعوا حضارتها وعزتها، وبالتالي ستظل سيطرتهم على مراكز السلطة وصنع القرار، وقد يصل إلى سدة الرئاسة رؤساء من المهاجرين، لكن حالهم لن يكون أفضل من حال الرئيس باراك أوباما، الذي حكم مدة، ومن ثم غادر كما جاء، ولم يستطع أن يغيّر شيئاً من توازنات القوة داخل الدولة الأمريكية.

والحقيقة أن هذه الدولة مبنية بموجب قوانين راسخة تفصل بشكل كامل بين السلطات، وتجعل مراكز القرار موزعة بين جهات مختلفة، فهناك الرئيس والكونجرس وأجهزة الاستخبارات ومراكز المال والشركات العملاقة، وكل هذه الجهات بالإضافة إلى غيرها لها وزنها في عملية صنع القرار، وبالتالي فإن أي رئيس من المهاجرين قد يأتي، لن يستطيع أن يغيّر في سياسة الولايات المتحدة سواء في الداخل أو في الخارج، فالقوانين التي جاءت بهذا الرئيس هي التي تجعله لا ينفرد مطلقاً بسلطة القرار، وهكذا يستمر الواقع السياسي كما هو.

ومن دون شك فإن الولايات المتحدة ستبقى قوة عالمية عظمى إلى أمد طويل في المستقبل، لأنها تمسك بخيوط الاقتصاد، فهي التي تطبع الدولار الذي تقوَّم به كل العملات في الدول الأخرى، وهي التي تضع الفائدة على هذه العملة، ورغم المساعي التي تبذلها روسيا والصين وبعض الدول الأخرى للاستغناء عن الدولار في التعاملات البينية، فإن ذلك لن يؤدي إلى دمار تلك العملة، فالذي يدمرها هو انهيار الاقتصاد الأمريكي، أو حرب تنهزم فيها الولايات المتحدة، ورغم وجود دين عام يلامس عشرين تريليون دولار إلا أن الحكومة الأمريكية تقوم بإدارة هذا الدين؛ لكي لا يؤثر على الاقتصاد، فتدفع الفوائد لمستحقيها في مواعيدها، وفي نفس الوقت تعمل على زيادة مواردها، وفرض رسوم جمركية عالية أيضاً على بعض الواردات من بعض الدول مثل الصين ودول الاتحاد الأوروبي، وفي نفس الوقت يتم توسيع قاعدة إنتاج النفط، بما يحقق دخولاً عالية، فالولايات المتحدة باتت اليوم أكبر منتج للنفط في العالم، فقد تجاوزت روسيا في مجال إنتاج النفط الخام للمرة الأولى منذ عقدين من الزمن.

وتتوقع الوكالة أن يستمر إنتاج النفط الخام الأمريكي في التفوق على الإنتاج الروسي. ويعود النمو الهائل، بشكل كبير، إلى ما يعرف باسم «ثورة الغاز الصخري» وتستخدم الشركات الأمريكية التكنولوجيا المبتكرة للوصول إلى موارد لم يتسنّ استخراجها من قبل. ولا شك أن الريادة في إنتاج النفط على مستوى العالم ستجعل للولايات المتحدة أهمية كبيرة في المستقبل.

والواقع أن الولايات المتحدة تملك القدرة على تطوير أدائها العلمي وتطوير صناعاتها، ولذلك ستبقى قادرة على ريادة العالم اقتصادياً، لكن يبقى التساؤل.. هل ستكون قادرة في المستقبل على الوفاء بديونها الضخمة؟ وقطعاً إن هي عجزت عن الوفاء، وهذا أمر قد يحدث، فسوف ينعكس ذلك على اقتصادها، واقتصاد العالم أجمع، وعند ذلك فقط قد تتنحى مجبرة عن مكانها كمهيمن على القرار العالمي، وتزيحها قوة أكبر، واقتصاد أقوى من مكانتها. لكن، طالما بقي اقتصادها قوياً سيبقى نظامها السياسي كما هو من دون تغيير.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"