عادي

مبدعون: معيار جمالي يعاند الواقع

20:12 مساء
قراءة 4 دقائق
2

الشارقة: علاء الدين محمود 
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن المعنى في الرواية، وهل تكتفى الرواية بكونها حكي جميل ممتع؟ أم لابد أن تتضمن جملة من المعاني والرسائل؟ وفي ذات السياق، ألا يعبر الجمال والمتعة عن معنى؟ أم لابد أن يكون للمعنى رسالة محددة؟ فالرواية في الأصل هي فن يعبر عن حالة جمالية تتوفر فيها المتعة والتشويق، لكن المعنى ظل موجوداً داخل السرد، من خلال كونه محاكاة لحياة الناس وقصصهم في الواقع الاجتماعي، وقبل ذلك التعبير عن حالة القلق الوجداني لدى الكاتب، فلا شك أن ما يميز فن الرواية دون سائر أنماط الأدب، أنها تتطور مع تطور المجتمعات وتتأثر بالرؤى والأفكار الجديدة، فقد مرت بمنعطفات كبيرة منذ المدرسة الواقعية حتى لحظتنا الراهنة مع تيارات ومدارس ما يعرف بما بعد الحداثة، والتي صارت تلح على ضرورة أن تتجه الرواية إلى ما هو أبعد من الحكي والسرد، بحيث تصبح حالة تتوفر فيها المعاني والرؤى الفكرية، بل والتصورات الكبيرة حول الوجود والإنسان والمصائر، فلم تعد الرواية اليوم مجرد منصة عرض، بل أداة تحليل واكتشاف، ولكن كيف يكتشف المعنى داخل العمل الروائي؟، وأين يكمن المعنى داخل النص؟ «الخليج»، وضعت سؤال المعنى في الرواية أمام عدد من المبدعين في مجال السرد.
اللغة معيار جمالي 
الكاتب المخضرم علي أبو الريش، قطع بأن أي عمل يدخل في مجال الإبداع، لابد أن تكون الأهمية الأولى فيه للجمال، فالكون نفسه مبني على صيغة جمالية، من حيث الطبيعة وما بها من مفردات دالة على الجمال، والكتابة في مجال الرواية تسمى بالكتابة الإبداعية، ومن خلال المسمى نعرف أن هذا النوع من الكتابة هو الذي يهتم بجمال المفردات والمحسنات واللغة وتوظيفها في الوصف وشرح الحالات وعقد التشبيهات وغيرها، بالتالي فإن أي عمل سردي لن تكون له قيمة إن هو لم يهتم بصورة أساسية بالمحسنات، ثم بعد ذلك بالفكرة والمعنى.
ولفت أبو الريش، إلى ضرورة الفكرة والثيمات والموضوع، لكن الأهم، في المقام الأول، هو عملية التواطؤ مع الجمال، فلابد من اللغة كمعيار جمالي أساسي، حيث أن بعض الأعمال السردية تحمل أفكاراً جيدة، لكن ضيعتها ركاكة اللغة وافتقارها للجماليات.
آليات التلقي الروائية 
آن الصافي، ذكرت أن السرد هو عمل إبداعي في المقام الأول، وهو يترك لكل متلق، حسب ثقافته، وآلية تذوقه للعمل بكامل حريته، وقد تختلف أو تتنوع الآراء حول ذات العمل من قبل عدة قراء، والسبب المحوري ذائقة وثقافة المتلقي، وربما يتناول ذات القارئ الرواية في عدة مراحل، فيجدها كل مرة بصورة مختلفة، وتبرز له معان جديدة، فآليات التلقي تتغير والخبرة التراكمية تتزايد مع الوقت ومع كل قراءات جديدة، وقد يختلف الناس في عملية اكتشاف ما وراء السرد، فعلى سبيل المثال نجد أن رواية «العجوز والبحر»، قد وجدت أراء مختلفة من قبل النقاد، حيث ذكر بعضهم أنها محتشدة بالرسائل والمضامين الفلسفية، ويرى آخرون أنها رمزية تحاكي الواقع، في حين نجد أن الكاتب قد ذكر أنه لم يقصد ما ذهب إليه النقاد، بل  تفاجأ بتلك الكتابات، وهذا يشير إلى أن المبدع دائما ما يهتم بالجمال والإبداع، لكنه بالطبع يترك المجال مفتوحاً لمسألة التأويل والبحث عن المعنى للقراء والنقاد.
وأوضحت الصافي، أن الرواية، مثل باقي وسائل التعبير الإبداعي، فالجانب الجمالي فيها يعد شرطاً أساسياً، ولا بد أن يكون الكاتب مهتماً بهذا الشرط الجمالي، وما يوفره من متعة وتشويق للمتلقي، فهو يقدم خدمة جيدة من خلال الأدب، بل هو يستوفي شروط الكتابة الإبداعية، وإن هو أتى بجماليات تتضمن رسائل ومعاني وتصورات، فهو يضيف للعمل السردي، من غير تكلف وذلك أمر جيد، فهنالك شرائح متنوعة من القراء بعضهم يستمتع فقط بفنية الحبكة والتشويق والمتعة، وبعضهم ينتظر المضامين والرسائل والأفكار التي تتضمنها الرواية، وبعضهم يستمتع بكل ما ذكر سابقاً.
وشددت الصافي، على أنها تحرص قدر المستطاع على أن يكون النص محملا بمضمون يخصه، ومعانٍ وتصورات تخدم الغرض من كتابته، وكذلك تحقيق المتعة والتشويق، وترى الصافي أن تحولات العصر تطرح أسئلة جديدة لها علاقة بمسؤولية الكلمة، هل هدف الكلمة هو الترويح عن النفس فقط؟ فتؤكد أنه حتى العمل الذي يتميز بالتشويق والمتعة، من الممكن أن يحمل معاني ورسائل وأفكار جديدة، تتضافر كلها لتحقق ذلك المعنى الذي ينشده القارئ خلال اشتباكه مع النص قراءة وتأملا وحوارا.
الكتابة موقف 
أما الكاتبة فتحية النمر، فذكرت أن الحكم على النص الروائي من حيث أنه ذو معنى أم لا، يتم بالنظر أولاً إلى المضمون وما يطرحه من أفكار، وما يعالجه من قضايا، وما يبثه من رسائل هنا وهناك، من حيث الجدة والطرافة والفائدة، بمعنى أنه يعالج فكرة مهمة للناس في حياتهم على اعتبار أن الكاتب هو لسان حال قومه ومجتمعه والإنسانية بشكل عام، وحتى لو كان النص يطرح فكرة أو قضية مسبوقة، أو تمت مناقشتها من قبل، ففي هذه الحالة نرى إلى أي مدى قد أخذ الكاتب الموضوع من زاوية جديدة، والأهم من ذلك هو أن نتبين هل للكاتب رأي وموقف ووجهة نظر؟، أم أنه كان محايدا ومر مرورا عابرا على الموضوع؟، وترى النمر، أنه يجب أن تضاف إلى ذلك الأساليب التي وظفها الكاتب في عمله من حيث الغنى والتنوع والجمال، فكل تلك الأشياء هي التي تصنع رواية ذات مضامين ومعنى.
ولفتت النمر، إلى ضرورة أن يكون المبدع مسؤولاً عما يصدر عنه من كتب، وعندما يكتب، يجب أن يضع في اعتباره المجتمع والقراء، وبالتالي وجب ألا يكون سطحيا، ويثرثر بكلام لن يستفيد منه أحد، عليه أن يكون مُلما بما يحدث من حوله ويضع قلمه في خدمة الناس.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"