إيقاع الذات

00:11 صباحا
قراءة دقيقتين

د. نورة صابر المزروعي

إن طبيعة الحياة التي نعيشها، تؤكد لنا أن أعمق وظائف الحياة ذات طابع إيقاعي، هذا المبدأ يتجلى في كل الأشياء من حولنا، وحين نذكر الإيقاع، نتذكر الموسيقى بايقاعاتها المتناغمة، وهذا مظهر من مظاهر الإيقاع الكوني. إن مبدأ الإيقاع يسري على كافة المخلوقات، فقد أوجد الخالق، عز وجل، حركة ديناميكية بين صعود وهبوط تتجلى في كل الأجواء الأثيرية في الكون، حتى أن طبيعة صعود وانهيار الدول والحضارات، إنما تخضع إلى مبدأ الإيقاع، كما أن علاقاتنا بعضنا مع بعض قائمة على هذا المبدأ، وكذلك على نمط الأعمال التي نقوم بها، فعلى سبيل المثال، أعمال التجار تخضع لدورات اقتصادية متأرجحة بين فترات من الازدهار والكساد، كما نلاحظ أن أمزجة البشر من حولنا يستحيل أن تكون على نمط واحد. 

إذا راقبت سلوكك جيداً، فسوف تجد فترات تكون فيها بين نشاط وخمول، وفترات أخرى تشعر خلالها بالفرح والإيجابية، يتلوها شعور معاكس تماماً من الحزن والسلبية، إن مبدأ الإيقاع الكوني لا يمكن إلغاؤه في الحياة، السؤال الذي يجب أن يطرح هنا، هل يمكن تجنب التأثر بالإيقاع الكوني؟ إن الإيقاع الكوني يؤثر على النشاط العقلي للإنسان، فحركة هذا الإيقاع غير الثابتة والمتأرجحة باستمرار، تتسبب في تقلبات وتوترات تستهدف عقل الإنسان، وأغلبية الأفراد يخضعون لهذا المبدأ، فيتأرجحون ذهاباً وإياباً بين التقلبات الخارجية والداخلية، وما يجسده ذلك من توتر مستمر مصاحب للأمراض النفسية والعضوية. 

هناك أفراد يتمتعون بقدر عالٍ من ضبط النفس والاتزان فيستطيعون إحراز درجة من الثبات، ولا يسمحون لتأثير الإيقاع القادم من البيئة الخارجية أن يصيبهم بالتوتر أو الإحباط، أو يؤثر على حالتهم الصحية، أو تصرفاتهم مع الآخرين. هؤلاء الفئة من البشر يطبقون قانون «الحياد العقلي» أو «المحايدة العقلية» سواء كان بوعي أو بدون وعي مسبق منهم، وبهذا يستطيعون تحقيق درجة من التوازن العقلي والنفسي. 

إن فن «الحياد العقلي» هو أشبه بالعلاقة ما بين الوعي واللاوعي، وتحفيز العقل الواعي عند الفرد لكي لا يتأثر بالشعور السلبي، إن ثبات الدورات الإيقاعية للتأثيرات التي تستهدف العقل تتجلى في مستويين من الظاهرة العقلية، مستوى الوعي الأدنى، ومستوى الوعي الأعلى، كما أن إدراك هذه الحقيقة يمكّن الفرد من استخدام إرادته للارتقاء إلى المستوى الأعلى؛ حيث ترتفع (الأنا إلى مستوى أعلى في الذات) أو رفع الأنا فوق ذبذبات المستوى اللاواعي من النشاط العقلي، وهنا، يحدث ما يشبه ضبط الإيقاع في مستوى العقل الواعي، الذي من خلاله يتم تجنب التأثيرات السلبية، وتجنب الانحدار إلى المستوى السلبي أو المستوى الأدنى من الإيقاع.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

حصلت د.نورة على الدكتوراه في الدراسات الخليجية من معهد الدراسات العربية والإسلامية بجامعة إكستر بالمملكة المتحدة .وماجستر في دراسات شرق أوسيطية بجامعة أريزونا بالولايات المتحدة الأمريكية. ودبلوم خبيرة التسامح الدولي من كلية محمد بن راشد. ومن إصدارات الدكتورة: كتاب بعنوان "العلاقات بين الإمارات والسعودية"؛ حاز هذا الكتاب على جائزة العويس للإبداع في 19 أبريل 2017 عن فئة أفضل كتاب نشرته مؤلفة إماراتية. تعمل في أكاديمية الإمارات الدبلوماسية وجامعة زايد وجامعة أبوظبي. لها العديد من المنشورات، كتاباتها تنحصر حول الفنون والثقافة. تعمل حاليًا على كتاب بعنوان "تأثير الموسيقى في حياتنا".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"