العلاقات المغاربية ــ الأوروبية.. التوازن المفقود

00:28 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. إدريس لكريني

تنطوي علاقات البلدان المغاربية مع دول الاتحاد الأوروبي على قدر كبير من الأهمية الاستراتيجية بالنسبة للطرفين، نظراً إلى عدد من العوامل والاعتبارات يمكن إجمالها في الجوار الجغرافي المتصل بالفضاء المتوسطي، وحجم المصالح والمبادلات الاقتصادية، حيث يستأثر الاتحاد الأوروبي بأكثر من 60% من المعاملات التجارية المغاربية، كما لا تخفى الأهمية الاستراتيجية لمنطقة المتوسط التي تحتضن الجانبين، وما يحيط بها من مخاطر وتحديات أمنية مشتركة عابرة للحدود، كما هو الشأن بالنسبة للإرهاب الدولي، والهجرة السرية.

وتزداد أهمية هذه العلاقات إذا استحضرنا أن أمن دول المنطقة يتجاوز الحدود بالنسبة للطرفين، إلى المحيط الجيوبوليتكي، لدرجة أضحت معها المنطقة المغاربية وقضاياها المختلفة تحظى بأولوية كبيرة ضمن اهتمامات مراكز القرار والبحث العلمي داخل أوروبا.

تشكل منطقة المتوسط بشكل عام، فضاء يعكس التباين الواضح بين ضفة شمالية تعيش معظم دولها مظاهر من التقدم على المستويات الصناعية والفلاحية والاقتصادية والتكنولوجية، والاستقرار السياسي، وضفة جنوبية ما زال كثير من أقطارها يعيش على إيقاع العديد من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية. شهدت العلاقات بين الجانبين تطوراً كبيراً على مختلف الصعد، لكنها ظلت في مجملها علاقات غير متوازنة، وفي صالح دول الضفة الشمالية للمتوسط، فعلى الرغم من الجهود المبذولة في هذا الخصوص، والتي يعكسها إبرام العديد من الاتفاقيات، واتخاذ مجموعة من المبادرات، منذ إعلان برشلونة عام 1995 الذي أولى العناية للتعاون والتنسيق في المجالات الأمنية والسياسية والحقوقية والتجارية الداعمة لاستقرار منطقة المتوسط، فإن واقع الممارسات، ومضامين التقارير والأبحاث العلمية، تؤكد أن الحصيلة الميدانية لم تكن بحجم طموح الدول المغاربية، بصدد عدد من الملفات والقضايا ذات الاهتمام المشترك، بسبب تركيز الجانب الأوروبي على الجوانب الأمنية، في مقابل تهميشه لقضايا الاستثمار والتعاون الاقتصادي، خاصة مع توجهاته لمنح الأسبقية لدول أوروبا الشرقية في هذا الإطار.

إن دعم الاستقرار في منطقة المتوسط يتطلب من دول الاتحاد الأوروبي إرساء شراكة متوازنة مع البلدان المغاربية، كما أن إجراء إصلاحات سياسية متينة داخل هذه الأخيرة  تعزز هذا الاستقرار  يظل مشروطاً في جزء مهم منه بتقديم الدعم الاقتصادي وتوجيه الاستثمارات نحو المنطقة، وتعميق التعاون في مجالات التعليم والبحث العلمي والصناعات الحديثة والتكنولوجيا، كما أن هناك الكثير من المعضلات كالإرهاب والتهريب والهجرة السرية  تعمّقها هشاشة الوضع في منطقة الساحل، وتمركز الجماعات المسلحة، وتأزم الوضع الليبي  تتطلب حلولاً مستدامة، في إطار من التنسيق والتعاون بين الجانبين، بصور تتجاوز ردود الفعل الآنية أو المقاربات الفوقية.

إن تحقيق هذا الرهان تكتنفه كثير من الصعوبات والتحديات، ذلك أن جمود الاتحاد المغاربي يفوّت على دوله  التي تعد الأقل ترابطاً من الناحية الاقتصادية والتجارية في العالم  عدداً من الفرص الاقتصادية. جدير بالذكر أيضاً أن غياب الاتحاد المغاربي يكلّف حتى دول الاتحاد الأوروبي، من زوايا اقتصادية واستراتيجية. وإذا كان الاتحاد الأوروبي يمتلك أهدافاً محددة وشروطاً واضحة، فإن البلدان المغاربية تتصرف بمنطق أحادي، في غياب رؤية مشتركة في هذا الإطار؛ بل ويطبعه التنافس أحياناً؛ الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه أمام الاتحاد الأوروبي لإبرام شراكات ثنائية تقوم على التعامل مع كل دولة على حدة، وهي العلاقة التي يظل فيها الطرف الأوروبي هو الرابح دائماً.

وتشير الإحصائيات الاقتصادية إلى أن الدول الأوروبية غير المتوسطية لا تُولي أهمية كبرى للعلاقة الاقتصادية مع البلدان المغاربية، فيما يزداد التخوّف من الانعكاسات السلبية المحتملة للإشكالات الداخلية التي باتت تواجه الاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة، سواء تعلق الأمر منها بانسحاب بريطانيا من هذا التكتل، أو بتباين المقاربات المعتمدة بصدد ملف الهجرة وتصاعد المد اليميني.. على تطوير وتعميق هذه العلاقات.

يعد تطوير العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، الضامن الأساسي للتعاطي مع مختلف المشاكل والتحديات الأخرى بشكل استراتيجي، كما أن وجود مجالين متباينين من الناحية التنموية، وتفاقم الهوة والفجوة بينهما، ليس في صالح المنطقة المتوسطية بضفتيها. ولا تخفى أهمية تقديم المساعدات في تحقيق التنمية داخل البلدان المغاربية، عبر إرساء شراكات حقيقية تتجاوز البعد الإحساني، لدعم هذه الدول في مواجهة عدد من الإشكالات والمخاطر العابرة للحدود. 

وتزداد أهمية التعاون على المستويات الاقتصادية والأمنية والسياسية، مع تصاعد التنافس الدولي في إفريقيا بشكل عام، وعلى المنطقة المغاربية بصورة خاصة.

إن إرساء تعاون مبني على منطق رابح  رابح، يقوم على الموازنة بين القضايا الأمنية من جهة، والجوانب الاقتصادية والإنسانية من جهة أخرى، وعدم الفصل بينهما.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"