هل يمكن إنقاذ لبنان؟

00:28 صباحا
قراءة 3 دقائق

حسام ميرو

يبدو الاتحاد الأوروبي أكثر انشغالاً وتفكيراً من الطبقة السياسية اللبنانية، لمنع انهيار لبنان، ومحاولة إنقاذه من كارثة باتت محققة. فقد أعلن الاتحاد الأوروبي دعمه الكامل لمساعي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الرامية لمساعدة لبنان، وجعله ينهض من أزماته الاقتصادية والمالية، بعد أن وصلت هذه الأزمات إلى منعطف خطر، يهدد فعلياً مستقبل اللبنانيين دولة وشعباً، بعد أن تراجعت مجمل المؤشرات المتعلقة بالحياة اليومية والمعيشية للمواطنين، وهو ما كشفته دراسات عدة، من أبرزها دراسة أعدتها لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغرب آسيا (إسكوا)، قالت فيها، إن نسبة فقراء لبنان تضاعفت تقريباً خلال عام واحد (بين 2019 و2020)، لتصل إلى 55% من مجمل السكان، وإن أعداد الذين يعانون فقراً مدقعاً تضاعفت ثلاث مرات، من 8% إلى 23%، في الوقت الذي يسجل فيه لبنان أعلى مستويات التفاوت في توزيع الثروة.

تتناول خارطة الطريق الأوروبية المقدمة للبنان، مسارات عدة، تحتل فيها الجوانب الإدارية والتقنية مكانة بارزة، خصوصاً في ما يتعلق بضرورة استعادة القطاع المصرفي لدوره الحيوي، وتؤكد الخارطة ضرورة الحوكمة، لتجنب الفساد والهدر، وضمان المساءلة والشفافية، وهي مسائل كان قد ركّز عليها سابقاً، صندوق النقد الدولي في مفاوضاته مع الحكومة اللبنانية، وخصوصاً البنك المركزي. وإلى جانب المسائل التقنية والإدارية، يطرح الاتحاد الأوروبي أهمية وجود حكومة قادرة على تطبيق خارطة الطريق، تحظى بدعم الشعب اللبناني، ولا يغفل الاتحاد طبعاً، تعقيدات الوضع السياسي المركّب والمعقد. ويمكن تلخيص وجهة نظره في ضرورة ابتعاد لبنان، دولة وحكومة وأحزاباً، عن مشكلات الإقليم ومحاوره السياسية.

ويبدو طبيعياً أن يكون الاتجاه العام لخارطة الطريق الأوروبية مبنياً على تصورات خبراء في قضايا الحوكمة. فعلى الرغم من تأكيد الاتحاد الأوروبي دور القضايا السياسية في تعميق أزمة لبنان، فإنه لا يمتلك إلا أن يعتمد على الحوكمة كمدخل لتحقيق اختراقات للأزمات الاقتصادية والمالية والإدارية، كما أن موافقة لبنان على خارطة الطريق الأوروبية، ستتيح مراقبة أوروبية لآليات التنفيذ. فمع غياب أي قدرة أوروبية مباشرة على التأثير السياسي، فإن السيناريو الوحيد لتفكيك الأزمة، هو سيناريو معالجة المشكلات المرتبطة بإعادة هيكلة المؤسسات، والمشاركة في عمليات التخطيط، ومتابعة التنفيذ، وتقييمه في مراحله المختلفة.

مطالبة لبنان بالابتعاد عن الاستقطابات الإقليمية، تبدو مطالبة جوهرية من حيث المبدأ، لضمان تنفيذ أي مخطط إنقاذي، لكن هذه المطالبة، بالنظر إلى معطيات الواقع السياسي اللبناني، تصبح شكلاً من أشكال «اليوتوبيا»، خصوصاً أن لبنان عبر تاريخه الحديث هو ساحة صراع إقليمية، كما أن ممارسة السياسة فيه، ومكانة اللاعبين السياسيين، تتحدد بموازين قوى خارجية بالدرجة الأكبر، كما أن استقرار لبنان أو ذهابه نحو الفوضى، مرتبط بمنظومة الأمن والاستقرار التي يرسمها اللاعبون الإقليميون، وهذه المنظومة التي تتداعى، ولا تزال منذ سنوات، ليست في وارد الارتداد عن تصاعد أزماتها، أو تراجع اللاعبين عن التصعيد في مواقفهم وممارساتهم.

ومنذ نهاية الحرب اللبنانية وتوقيع الأطراف المتحاربة على اتفاق الطائف عام 1989، كان منطق المحاصصة الطائفي هو السائد في جميع مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية، فقد أنشأ اتفاق الطائف حالة من الاستقرار مبنية على أساس نظام المحاصصة الطائفي، الذي ضمن بدوره النفوذ والموارد للأحزاب، فقد أصبح الوجود في الحكم والمؤسسات مصدراً أساسياً للثروات، وأصبحت الدولة دولة رأسمال المحسوبيات، مع ترابط في القطاعين العام والخاص، فمجمل المشاريع الكبيرة تابعة بشكل مباشر أو غير مباشر للزعماء السياسيين، من خلال شراكات وتحالفات مع رجال الأعمال.

وصلت ديون لبنان الخارجية إلى 92 مليار دولار؛ أي ما يعادل 170% من الناتج الإجمالي المحلي، وتوقف منذ مارس/آذار الماضي عن البلد سداد ديونه، وهي الخطوة المفصلية التي أدت إلى تفاقم الأزمة المالية، وما رافقها من سلسلة أزمات أخرى، خصوصاً في الجانب المتعلق بعمليات الاستيراد المعتمدة على القطاع الأجنبي، حيث يعتمد لبنان بشكل كبير في دورة حياته اليومية على الاستيراد من الخارج، وقد أدت حالة الانهيار المالي إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع الرئيسية من غذاء ودواء.

كل الوقائع والأرقام تشير إلى أن الهوة كبيرة بين رغبة الدول الأوروبية في تقديم مخطط إنقاذي للبنان، وبين إمكانية استجابة النظام السياسي اللبناني لهذا المخطط. فأزمة لبنان لا تكمن في الجانب الإداري والتقني؛ بل في وصول بنيته السياسية وتعبيراتها إلى طريق مسدود، ما قد يجعل من مهمة إنقاذ لبنان مهمة مستحيلة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"