قرار الحرب في النظام الأمريكي

00:28 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناجي صادق شراب

تجددت النقاشات حول من يمتلك قرار الحرب في النظام السياسي الأمريكي، وذلك في أعقاب احتمالات قيام الرئيس ترامب في ما تبقى له من أيام في منصبه، باللجوء إلى الحرب ضد إيران. وزاد من هذه الاحتمالات إقالة وزير الدفاع مارك أسبر، الذي قال إن الرئيس يريد أن يعين خلفاً له يقول «نعم». وكما وصف الباحث البارز في مركز التقدم الأمريكي برايان كاتوليس قرارات ترامب بأنها «ليست على حسابات سياسية أو استراتيجية؛ بل شخصيه؛ لأنه يريد أن يخلق حالة من الفوضى والارتباك لخليفته بايدن، لا يريد له أن يحكم». ونظراً لأن قرار الحرب يعتبر من أخطر القرارات التي يمكن أن يتخذها الرئيس بحكم صلاحياته الدستورية، وما قد يترتب عليه من تداعيات على أمن الولايات المتحدة، فقد حرص واضعو الدستور الأمريكي على تقييد هذه الصلاحية بمشاركة الكونجرس بمجلسيه. 

فالرئيس دستورياً هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وله حق فرض حالة الطوارئ والتعبئة العامة، ويمتلك السلطة الكاملة في تعيين حكومته بمن فيهم وزير الدفاع، وتعيين المستشارين وأهمهم مستشار الأمن القومي، وهم مسؤولون أمامه ويأتمرون بأمره، ولكن تعيينهم يحتاج لموافقة مجلس الشيوخ. وتجدد التنازع على سلطات الحرب بين الرئيس والكونجرس مع إدارة ترامب مثل الإدارات السابقة، وذلك بعد فوز الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي عام 2018، وما ترتب على ذلك من التقدم بمشاريع قوانين للحد من صلاحيات الحرب التي يتمتع بها الرئيس، وعدم التفرد بقرار إعلان الحرب واستخدام القوات المسلحة دون قيد أو إعلام الكونجرس الذي عمل بمجلسيه على تقويض تفويض سبق أن مُنح للرئيس عامي  2001 و2002 يخوّله (الرئيس بوش الابن ساعتها) استخدام القوات العسكرية الأمريكية في الخارج.

وللوقوف على هذا الجدل والتنازع لا بد من معرفة أهم سمات النظام السياسي الأمريكي، وصلاحيات الحرب، كما نظمها الدستور. فالنظام السياسي رئاسي، وهو ما يجعل الرئيس في قلب النظام وبيده العديد من السلطات، ويستند على الفصل المطلق للسلطات، لكنه يتميز بتبني نظام الكوابح والجوامح الهادف إلى الحد من توغل كل سلطة في ممارسة سلطاتها، وهذا ينطبق على صلاحيات وسلطات الحرب، وهذا النظام أوجد  منذ البداية  تنازعاً بين الرئيس والكونجرس، لا سيما بشأن سلطات الحرب، والانخراط فيها وإدارتها. فالدستور منح الكونجرس في المادة الثانية، الفقرة 8، سلطة إعلان الحرب وسلطة المحفظة المالية، وهما من أقوى السلطات بيد الكونجرس. 

فالحرب تحتاج لتوفير الموازنات المالية الضخمة وبدونها لا يمكن للرئيس الاستمرار في ممارسة حقه في استخدام القوات المسلحة، ولعل تكلفة الوجود العسكري في أفغانستان والعراق والتي زاد على تريليوني دولار، هي ما دفع لتقليص وجود القوات الأمريكية والعمل على انسحابها، سواء خلال إدارة أوباما أو ترامب، وهو ما سيفرض نفسه على إدارة بايدن، إلا أن الممارسة الواقعية أظهرت التفاف الرؤساء بدون استثناء على سلطة الكونجرس، بإعلان الحرب من دون تفويض. ويبدو أن الكونجرس تنازل عن سلطاته الدستورية في الإعلان عن الحرب منذ نهاية الحرب الثانية والحرب الباردة. 

وحرصاً من الكونجرس على استعادة دوره، قام عام 1973 بإلزام الرئيس بالحصول على تفويض منه قبل التدخل واستخدام القوات المسلحة. وينص هذا القانون على أنه على الرئيس إبلاغ الكونجرس في غضون 48 ساعة في حال نشر القوات الأمريكية في الأعمال العدائية في الخارج، وإذا لم يوافق الكونجرس، على الرئيس إعادة القوات خلال 60 يوماً، ويمكن منحه 30 يوماً إضافية في حالة الضرورة. وقد استخدم أغلب الرؤساء سلطاتهم دون إبلاغ الكونجرس، كما فعل الرئيس كارتر في عملية تحرير الرهائن الفاشلة في إيران عام 1979، أو من خلال تشكيل تحالفات دولية عبر مجلس الأمن، كالتحالف الدولي 2011 ضد الرئيس الليبي معمر القذافي. وتجدد الجدل اليوم في إدارة ترامب بعد حربين مكلفتين مالياً وبشرياً في العراق وأفغانستان 2001 و2003، ولم يتحقق الهدف منهما؛ بل زاد الأمر هشاشة وخسائر.

واليوم يزداد هذا التنازع في الأيام الأخيرة لإدارة ترامب وزيادة احتمالات الحرب ضد إيران. وينقسم النقاش إلى تيارين: الأول يرى أنه ليس من حق الرئيس إعلان الحرب من دون موافقة الكونجرس، أما التيار الثاني فيرى أنه من حق الرئيس استخدام القوة العسكرية لحماية أمن أمريكا، والدفاع عن مصالحها، وحماية مواطنيها في الخارج.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"