فلسطين «دولة من دون سيادة»!

00:20 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناجي صادق شراب

الحق في قيام الدولة مثبت تاريخياً بالوجود المستمر وغير المنقطع بين الشعب الفلسطيني وأرضه التي لم يتخلَّ عنها أو يهجرها على مدار آلاف السنين، وبمقاومته المتواصلة ورفضه للاحتلال، وهذا أساس الحق التاريخي. كما أنه مثبت أيضاً في القرار الأممي رقم 181 الذي شكل أساساً ومنفذاً لقيام إسرائيل كدولة، لأن الحق في الدولة الفلسطينية يسبق هذا القرار.

ومع ذلك، وفي ضوء التطورات السياسية القائمة، يشكل أيضاً الأساس لقيام الدولة الفلسطينية، والتي بموجب هذا القرار تشكل حوالي 44 في المئة من مساحة فلسطين، مع وضع القدس تحت الوصاية الدولية. ومع القرار رقم 242 الشهير والذي يقر بعدم شرعية ضم أي أرض بالقوة، وهو ما يعني أن كل الأراضي التي ضمتها إسرائيل ومستوطناتها تعتبر غير شرعية، إلى جانب العديد من قرارات الشرعية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.

خلاصة القول، إن الفلسطينيين لا تنقصهم الأسس القانونية ولا الدولية ولا التاريخية في حقهم بقيام دولتهم. والسؤال هنا ما الذي أعاق ويعيق قيام هذه الدولة؟ والإجابة في كلمات موجزة، هو الاحتلال الإسرائيلي المستمر ورفض إسرائيل المطلق قيام دولة، بحجة أن فلسطين كلها دولة لليهود، وهذا ما كان ليتحقق لولا الدعم البريطاني تاريخياً، ووضع انتدابها في خدمة هدف قيام هذا الوطن تنفيذاً لوعد بلفور، وهو ما حققه القرار المذكور، وما كان يمكن أن يستمر ليومنا هذا لولا الدعم والحماية الكاملة للولايات المتحدة وممارسة حق «الفيتو» للحيلولة دون قيام الدولة الفلسطينية وتوفير الغطاء والحماية لتمدد إسرائيل واحتلالها لكل الأراضي الفلسطينية.

رغم اعتراف منظمة التحرير بإسرائيل، وفقاً لاتفاقات أوسلو عام 1993، وهو الاعتراف الأساس لشرعية إسرائيل، بخلاف أي اعتراف آخر مقابل دولة فقط على مساحة 20 في المئة بتنازل عما يقارب 25 في المئة من القرار الأممي 181، ورغم كل هذه المعطيات، استمرت إسرائيل في احتلالها وضمها لأراضي الدولة الفلسطينية. ومن ناحيته، الشعب الفلسطيني لم يستسلم ولم يوقف نضاله السلمي وحتى العسكري الذي يقره القانون الدولي، وهذه المقاومة أساس لرفض الاحتلال وكل ما ترتب عليه من تداعيات وتغيرات على الأرض. ويكفي لمنظمة التحرير كما اعترفت أن تسحب اعترافها وتذهب للأمم المتحدة وتطالب برفع مستوى الدولة من دولة مراقب إلى دولة كاملة العضوية تحت الاحتلال وتفعيل المسؤولية الدولية.

ومن ناحية أخرى، فإن قيام إسرائيل وقبولها عضواً في الأمم المتحدة كان مشروطاً بعودة اللاجئين وقيام الدولة الفلسطينية، وهذا يشكل أساساً قوياً لإسقاط عضوية إسرائيل كدولة عضو في الأمم المتحدة. وتملك المنظمة أيضاً حق إلغاء اتفاقات أوسلو وإعلان مرحلة الدولة الفلسطينية.

واليوم ومع حرب غزة المختلفة عن كل الحروب السابقة، فالهدف الرئيسي من هذه الحرب هو تصفية القضية الفلسطينية.

ونظراً لاحتمالات توسع الحرب وتداعيات ذلك على الأمن والسلام في المنطقة والعالم، ذهبت الولايات المتحدة وبريطانيا وتحت ضغط داخلي لتجديد الحديث حول الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وهنا تثار التساؤلات عن ماهية الدولة ومقوماتها؟ وهل هي دولة بالمعنى التقليدي لأدبيات الدولة بتكامل عناصرها الثلاثة (الإقليم والشعب والسيادة)، وهذا المعنى التقليدي مستبعد تماماً، لأن الحديث عن الاعتراف بالدولة لا يخرج عن المعنى اللفظي البروتوكولي، أي دولة شكلية من دون أن يكون لها ممارسة سيادية كاملة على أراضيها، ودولة منزوعة السلاح بالكامل لا تستطيع حماية نفسها، تشكل حماية لأمن إسرائيل فقط، ودولة لا تمارس سيادتها الكاملة على مواردها الاقتصادية، ودولة مثقوبة متناثرة تحتويها المستوطنات المنتشرة في قلب الأراضي الفلسطينية.

ورغم كل هذه التوصيفات، فإسرائيل ترفض مجرد الحديث عن الدولة بمفهومها القانوني، لأن مجرد الاعتراف بالدولة الفلسطينية يعنى سقوط كل مقولات قيام وطن قومي لكل اليهود في كل فلسطين والحيلولة دون تحقيق فكرة إسرائيل الكبرى. ومجرد قيام الدولة الفلسطينية يتطلب أولاً تفكيكاً للمستوطنات القائمة في الأراضي الفلسطينية، ويتطلب موقفاً يتجاوز الاعتراف اللفظي الذي تردده الإدارة الأمريكية وبريطانيا، والأهم هو نهاية الاحتلال الإسرائيلي، وإيجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين. وأحد أهم الخيارات هو حق عودتهم إلى الدولة الفلسطينية في حال قيامها. كل هذا سيشكل تحدياً كبيراً أمام إسرائيل التي تربط مستقبلها وبقائها بعدم قيام الدولة الفلسطينية.

ويبقى أن التحدي والعائق الأكبر أمام الدولة الفلسطينية هو الحكومة اليمينية الحالية، فمن ينتصر، الإرادة الدولية أم إرادة القوة التي تمثلها إسرائيل؟ فالدولة ليست منحة تمنح بل تنتزعها قوة الحق الفلسطينية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/34czja57

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"