حسابات أخرى في عام الجائحة

00:38 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السناوي

كان عام 2020 ثقيلاً بوطأة الجائحة على كل ما يتحرك في العالم. لم تتعرض الإنسانية المعاصرة لمحنة مماثلة منذ الحرب العالمية الثانية، من حيث أعداد الضحايا وقدر الخسائر الاقتصادية.

شلت الحياة تقريباً في أنحاء العالم، انهارت نظم صحية أو كادت، جرت أحوال انكشاف لموازين قوى وحسابات سياسة، ولاحت بوادر ولادة نظام دولي جديد من تحت أنقاض الجائحة.

كان عاماً للفزع أفضت تفاعلاته إلى تغييرات جوهرية على المسرح السياسي الدولي في حسابات وموازين القوى.

عند مطلع 2020 لم يكن ممكناً لأحد أن يتوقع واثقاً، خسارة دونالد ترامب، فرصه في تجديد ولايته لدورة ثانية أمام المرشح الديمقراطي جو بايدن، الذي تعوزه الكاريزما ولم يكن يتمتع بفرص انتخابية حقيقية لحصد المنصب الأرفع في النظام السياسي الأمريكي.

كانت إدارة ترامب لأزمة الجائحة كارثية تماماً، حتى وصلت معدلات الوفيات إلى: «مواطن أمريكي كل ثلاث وثلاثين ثانية».

حملت إدارة ترامب مسؤولية المأساة بقدر ما أبدته من استخفاف بحياة مواطنيها. كانت الانتخابات أقرب إلى الاستفتاء عليه، وبالذات على طريقته في إدارة أزمة الجائحة. كان ذلك أول ما تبدى على السطح السياسي الأمريكي من آثار ضربات الجائحة.

التفاعلات ما زالت في أولها، فالمؤسسة الأمريكية تبدو على قدر من الاهتزاز، بعضه يعود إلى شخصية ترامب الذي يرفض الاعتراف بنتائج الانتخابات، ويشكك دون هوادة في شرعيتها، وبعضه الآخر يعود إلى عمق الأزمة الداخلية من استقطاب وتنافر عرقي وسياسي في بنية المجتمع نفسه.

هكذا يطل عام 2021 على الولايات المتحدة بأسئلة وجودية حول أزماتها الداخلية، وحول مستقبلها ووزنها الدولي في أحوال جديدة، غير تلك التي استدعت التحالف الغربي بقيادتها في أجواء الحرب العالمية الثانية وما بعدها.

مستقبل «الناتو» سؤال رئيسي في أولويات إدارة جو بايدن. إذا لم يكن ممكناً ضخ دماء الثقة فيه من جديد، فإنه يصعب الحديث عن أية أدوار قيادية أمريكية في عالم يتغير.

بغض النظر عن قدر ودواعي العقوبات الاقتصادية التي فرضت على تركيا، العضو في حلف «الناتو»، من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في توقيت متزامن، فإنها ترمز إلى أوجه خلل في بنية ذلك الحلف يصعب تداركها.

كانت الترجمة السياسية لشعار «أمريكا أولاً»، الذي اتبعه الرئيس المنتهية ولايته ترامب، أن تبحث كل دولة على ما يحفظ أمنها بعيداً عن الولايات المتحدة وحلف «الناتو». طرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مشروعه لإنشاء منظومة أمنية أوروبية خارج حلف «الناتو». بدت الأزمة متماثلة على ضفتي الأطلسي، الأمريكيون والأوروبيون على قدم المساواة. ضربت الجائحة فلسفة الاتحاد الأوروبي، وتبدت شقوق وشكوك في مسوغ وجود مؤسساته التي توصف عادة ب«بيروقراطية بروكسل».

كان ذلك اختباراً وجودياً هيمن على العام كله.

لم يكن هناك عند بداية الجائحة أي حد أدنى من العمل المشترك. أغلقت كل دولة أوروبية حدودها خشية أن يمتد الوباء إليها بموجات إضافية. تصرفت على نحو منفرد، كأن الاتحاد الأوروبي فكرة افتراضية لا حقيقة يرتكن إليها.

كان ذلك داعياً للتساؤل عن احتمالات تفشي الشعبوية ووصول أحزابها اليمينية المتطرفة إلى قصور الحكم، بما يعني حكماً بالإعدام السياسي على فكرة الاتحاد الأوروبي وأية رهانات شعبية عليها، غير أن فرص الشعبوية تقوضت في منتصف الطريق.

كانت تلك حالة سيولة في نظام دولي يتشكل تحت ضربات الوباء المستشري. في المشهد المأزوم أطلت الصين كمرشحة محتملة لتصدر النظام الدولي الجديد، الذي قد يولد بعد انقضاء الجائحة، اعتماداً على طفراتها الاقتصادية وقدرتها على تطويق الجائحة في وقت ضيق. ودخلت روسيا على الخط بقدراتها الاستراتيجية على المناورة والتمركز، حيث يتراجع الأمريكيون والأوروبيون.

كان الصراع السيبراني الأمريكي الروسي تعبيراً جديداً عن العوالم التي تولد، وحسابات القوى المتغيرة فيه. قبل أن تتوفر أية أدلة ثبوتية، اتهمت السلطات الأمريكية روسيا بالهجوم الإلكتروني على مؤسسات عسكرية واستخباراتية بالغة الحساسية. كان ذلك استدعاء من قاموس الحرب الباردة ل«العدو الروسي» كمصدر رئيسي لتهديد الأمن القومي الغربي.

هددت إدارة بايدن باتخاذ إجراءات عقابية صارمة بحق موسكو التي أنكرت الاتهامات المرسلة.

كاد الرئيس المنتهية ولايته ترامب، أن يعفي موسكو قبل أي تحقيق من أية مسؤولية مقابل اتهام الصين، على عكس ما ذهب إليه وزير خارجيته مايك بومبيو. كان ذلك مشهداً عشوائياً في إدارة حسابات ومصالح دولة عظمى في لحظة تحولات كبرى.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"