اللجوء وفشل النظام الدولي

00:41 صباحا
قراءة 3 دقائق

حسام ميرو

كشف تقرير صدر مؤخراً عن مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين أن أعداد اللاجئين بلغت أكثر من 80 مليون لاجئ خلال العام الجاري، مع توقعات باستمرار موجات اللجوء في عام 2021، في ضوء استمرار الحروب في غير بلد من بلدان آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. ولم يذهب التقرير، كعادة التقارير الصادرة عن المفوضية، إلى أبعد من لغة الأرقام والأسباب المحلية الكامنة وراء استمرار ظاهرة اللجوء بهذا القدر المخيف، وأهمها استمرار النزاعات الأهلية، لكن من دون الغوص في دور الأمم المتحدة نفسها في استمرار الحروب، وعدم قدرة الدول الكبرى، خصوصاً الدول الخمس دائمة العضوية، على إيجاد حلول فعلية لتلك الحروب، وانعدام فاعلية القرارات الأممية، التي لا تجد طريقها إلى التطبيق، نتيجة ممانعة بعض الدول التي وافقت عليها في مجلس الأمن لأي محاولات جادة لتطبيقها.

 خلال السنوات الخمس الماضية، كان اللجوء السوري إحدى أكبر موجات اللجوء التي عرفها العالم، وقد شكّل اللاجئون السوريون حوالي 8.25% من لاجئي العالم، وقد وصل عددهم إلى 6.6 مليون لاجئ في أكثر من 120 بلداً، وعلى الرغم من إصدار مجلس الأمن للقرار 2254، حول آليات حل النزاع السوري، والذي تضمّن خطوات عملية للوصول إلى تسوية سياسية، من بينها تشكيل هيئة حكم ذات مصداقية، وكتابة دستور جديد، خلال مدة ستة أشهر من تاريخ صدور القرار، وأعطى الأمم المتحدة صلاحية الإشراف على الانتخابات التي ينبغي أن تلي الحل السياسي، وحدّد موعداً للانتخابات بعد عام ونصف العام، لكن التواريخ المحددة بقيت حبراً على ورق، ولا تزال المأساة السورية مستمرة، ويستمر معها اللجوء السوري، مع أن القرار الأممي كان قد صدر بموافقة روسيا والولايات المتحدة، وهما القوتان الأكثر فاعلية في ميدان الصراع السوري.

 الأمم المتحدة وما يتبعها من مؤسسات هي إحدى أكبر واجهات النظام الدولي، وهي مطبخ التسويات السياسية، وتنعكس في آليات عملها التوافقات الموجودة بين اللاعبين الكبار أو مدى اختلاف مصالحهم، لكن هذه المؤسسات تعاني منذ أكثر من عقد، وتبدو أنها غير قادرة على تحقيق الحد الأدنى من التوافق حول معظم القضايا التي تطرح في هيئاتها، وفي حال حدوث توافقات الضرورة في لحظة معينة، فإن الواقع الفعلي يشير إلى غياب أي ضمانات تتعلق بالعمل المشترك لتطبيق القرارات، أو على الأقل عدم عرقلة تطبيقها.

 منذ تأسيسها في عام 1945، أخذت الأمم المتحدة على عاتقها معالجة القضايا الإنسانية المرتبطة بالنزاعات حول العالم، وبقيت محكومة بمفاعيل الحرب الباردة بين الشرق والغرب لأكثر من أربعة عقود، وعلى الرغم من كل شرور الحرب الباردة، إلا أن موازين القوى كانت فيها واضحة، ولا يمكن تجاوزها، لكن العقود الثلاثة الأخيرة شهدت تراجعاً حادّاً في فاعلية معظم المؤسسات الأممية، وهو ما انعكس على طرق معالجة الأزمات الإنسانية، ومن ضمنها ملف اللجوء، الذي تصاعدت حدّته في العقد الأخير، وأصبح محط خلاف واستثمار سياسي، وترك في بعض الحالات للتعامل الانتقائي من قبل الدول، بوصفه ملفاً مستقلاً عن أسبابه السياسية المباشرة.

 النظام الدولي الراهن يفتقد إلى شكل واضح ومحدد لتحقيق التوزان في المصالح الدولية بشكل عام، وفي مصالح الدول الكبرى بشكل خاص، وهذه الحالة انعكست بشكل واسع وخطِر في الملفات الإنسانية، فاللاجئون ينتمون إلى الفئات الأكثر ضعفاً، ومن الطبيعي أن تزداد أعداد اللاجئين مع استمرار النظام الدولي في حالة الاضطراب التي يعانيها، فالصراعات العميقة بين الدول الكبرى تجد متنفسها في البلدان الهشة، التي أصبحت مسرحاً لصراع الأمم، ومجالاً لتقاسم النفوذ على أنقاض الدول المنهارة.

مسؤوليات النظام الدولي تجاه القضايا الإنسانية هي مسؤوليات أخلاقية، فالحد من الحروب، وفض النزاعات، وحماية المدنيين، والعمل على التسويات السياسية، ومنع عمليات التهجير القسري، هي جزء أساسي من ركائز نشوء المؤسسات الأممية، وتحصل هذه المؤسسات على تمويلاتها من أجل القيام بأعمالها، وبعد مرور 75 عاماً على تأسيس الأمم المتحدة ينبغي أن تكون تلك المؤسسات قد راكمت خبرات كبيرة في أداء مهامها، لكن الواقع الفعلي يشير إلى ترهل أدائها، وتحوّلها إلى مؤسسات بيروقراطية، كما أنها فقدت الكثير من مصداقيتها، وليس هذا مستغرباً مع سعي الدول الكبرى إلى تحقيق مصالحها وأجنداتها خارج إطار المؤسسات الأممية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"