عادي

«القرصنة الغامضة».. حروب رقمية دولية

23:15 مساء
قراءة 4 دقائق
1

كتب - المحرر السياسي:

فرضت التقنية الرقمية تحديات من نوع خاص على أجهزة الاستخبارات العالمية، خاصة في الدول الفاعلة على المسرح العالمي، التي وجدت نفسها محشورة بين فضائح تعرضها لاختراقات خطِرة، وبين عجزها عن الرد وربما عن معرفة الجهة الفاعلة.

كان طبيعياً أن تستعر نار المنافسة التي تتطلب تحقيق قفزات متتالية على صعيد برامج تطوير القدرات الذاتية، نظراً للسرعة الهائلة التي تتغير بها أدوات الهجوم الرقمي وبرامج القرصنة الإلكترونية، حتى صارت هاجساً يؤرق كبار خبراء الأمن السيبراني في العالم.
وليس الهجوم الواسع النطاق الذي تعرضت له المؤسسات والوزارات الأمريكية منذ مارس/ آذار الماضي، وكشف عنه مؤخراً، استثناءً، رغم أن المسؤولين الأمريكيين اعتبروه الأعنف والأشد خطراً. ومن المؤكد أنه لن يكون الأخير في ظروف تسارع معارك هذه الحرب الخفية والمستمرة التي تكلف الغافلين والمتخلفين عن الركب خسائر قد تصل إلى حد تهديد وجودهم.
هجمات معقدة
 ويبدو تحميل واشنطن مسؤولية الهجوم لروسيا أمراً طبيعياً في ظل التنافس بين القوى العظمى على السيطرة على الفضاء الإلكتروني الأشد حساسية في عالم اليوم، سواء من الناحية العسكرية أو الاقتصادية. ورغم خصوصية الهجوم الأخير الذي يأتي في ظروف تعاني فيها الولايات المتحدة من انقسامات سياسية على المستوى الداخلي، ويتهم فيها رئيسها دونالد ترامب بتلقي دعم انتخابي من الروس، إلا أن ذلك لا يعني أنها نهاية المطاف.
 والجديد في الهجمات الأخيرة أنها كانت معقدة للغاية، باعتراف وكالة الأمن الإلكتروني، وأمن البنية التحتية الأمريكية، التي قالت إن الهجوم كان معقداً وإحباطه سيكون أكثر تعقيداً.
وشملت الهجمات الوكالات الحكومية وكيانات البنية التحتية الحيوية ومؤسسات القطاع الخاص التي تعرضت لسلسلة من الهجمات المنتظمة والسرية بدءاً من شهر مارس/آذار 2020 من دون أن يتنبه لها أحد. وقالت وكالة الأمن القومي الأمريكي، إن الجهة الفاعلة التي تقف وراء عمليات الاختراق أظهرت صبراً طويل الأمد، وتمتعت بقدرات أمنية وحرفية معقدة.  وقال الرئيس المنتخب جو بايدن: «لقد تعرضنا لهجوم هو الأشد خطراً. نحن بحاجة إلى تعطيل وردع خصومنا عن شن هجمات إلكترونية كبيرة في المقام الأول».
 وقد نجح القراصنة في مراقبة بيانات داخل وزارات أمريكية، بما في ذلك وزارات الخارجية والدفاع والأمن الداخلي والخزانة والتجارة.
وقالت وكالة الأمن الإلكتروني وأمن البنية التحتية الأمريكية، إن الجناة تمكنوا من اختراق شبكات الكمبيوتر باستخدام برنامج إدارة شبكات، من إنتاج شركة «سولارويندز» لتكنولوجيا المعلومات ومقرها ولاية تكساس الأمريكية. وقد طُلِبَ من جميع الوكالات المدنية الفيدرالية، في وقت سابق، إزالةُ برمجية «سولار ويندز» من خوادمها بسبب الاختراق.
 اتهامات أم أباطيل؟
 ولم تشر الوكالة ولا مكتب التحقيقات الفيدرالي صراحة إلى الجهة المسؤولة عن الاختراق، لكن شركات أمن خاصة ومسؤولين أمريكيين وجهوا أصابع الاتهام إلى روسيا.
 وقال الرئيس التنفيذي لشركة «فاير آي» للأمن السيبراني، إن آثار الهجمات ظهرت في شبكات خاصة لأكثر من 1800 مؤسسة أو جهة حكومية أو شركة خاصة بنسب متفاوتة، لكن 50 شبكة منها تعرضت لأضرار بالغة.  وقال ماركو روبيو، رئيس لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ، في تغريدة له على «تويتر»: «من الواضح أن المخابرات الروسية نفذت أخطر اختراق إلكتروني في تاريخنا. ويجب أن يكون ردنا عليهم قوياً».
وحمّل وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو روسيا المسؤولية عن الهجوم، كذلك فعل رؤساء لجان المخابرات في مجلسي الشيوخ والنواب. وقال: «نستطيع القول بوضوح إن الروس شاركوا في هذا النشاط. فقد حاولت روسيا دائماً تقويض نظام حياتنا، ولا يزال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يمثل خطراً حقيقياً».
 أما الرئيس ترامب فقد غرد منفرداً خارج السرب، واعتبر التقارير التي تتهم روسيا مجرد تكرار لاتهامات سابقة لا يوجد دليل فعلي عليها، ولم يستبعد تورط الصين. وكان طبيعياً أن تنكر موسكو تلك الاتهامات؛ حيث نفتها واعتبرتها ادعاءات «لا أساس لها». وقال بيان صادر عن الكرملين، إن الجميع يوجه أصابع الاتهام لروسيا جزافاً. واعتبر المتحدث باسم الرئيس بوتين الاتهامات دليلاً على تخبط الأجهزة الأمريكية، وعجزها الذي يدفعها لكيل الاتهامات ببغاويّاً دون دليل.
وقالت السفارة الروسية لدى الولايات المتحدة، في بيان نشرته على مواقع التواصل الاجتماعي، إنها لا تنفذ عمليات هجوم في المجال الإلكتروني.
إعلان حرب
 وسادت في أوساط الأمريكيين مشاعر الإحباط، التي عكستها التغطية الإعلامية في عديد من وسائل الإعلام التي حمّلت إدارة الرئيس ترامب مسؤولية التقصير في حماية المؤسسات والبيانات الأمريكية. وطالبت التقارير أجهزة الأمن الداخلي الأمريكية بالقيام بمهماتها الأساسية في ضمان أمن الدولة وحمايتها من الهجمات المفاجئة، الرقمية أو غير الرقمية. واعتبرت اختراق شبكات أجهزة الأمن الخاصة دليلاً جديداً على أنه لا يوجد شخص أو مؤسسة محصنة ضد هجوم قوي من دولة راعية مثل روسيا. وهو خطر ماثل حتى إشعار آخر.
 واعتبرت بعض الأوساط السياسية الأمريكية الهجوم الإلكتروني بمثابة إعلان حرب على الولايات المتحدة، وسط موجة القلق التي سادت نتيجة اتساع دائرة الاستهداف. وقال السيناتور الديمقراطي ديك دوربين، تعليقاً على الهجوم: «هذا في الواقع إعلان حرب من جانب روسيا على الولايات المتحدة، ويجب أن نأخذ ذلك على محمل الجد. ولا يمكن أن نكون أصدقاء مع فلاديمير بوتين، بينما هو ينفذ هذا النوع من الهجمات الإلكترونية على أمريكا».
 البيانات تحت التهديد
 ويخشى الأمريكيون من أن يكون هذا الهجوم قد تسبب في تسريب كميات هائلة من البيانات الخاصة بالحكومة والشركات الأمريكية والمعلومات الشخصية الخاصة لأفراد من مختلف درجات الأهمية الاستراتيجية والسياسية، خاصة أنه دام عدة أشهر دون أن تكشفه أجهزة الأمن الأمريكية.
ويرى خبراء الأمن الشبكي أن هذا التصعيد الأخير يفتح باباً واسعاً لسباق تسلح إلكتروني بين الأطراف كافة، ليس لتحقيق السبق المعلوماتي فحسب، بل للوقاية من هجمات مؤكدة مستقبلاً يفرضها الشعور بعدم الأمان في عالم خفي من الشبكات والبيانات يتداخل فيه الحكومي مع غير الحكومي.
 ويسلط هذا السباق الضوء مجدداً على عمالقة التقنية، مثل مايكروسوفت وجوجل، وأغلبيتها أمريكية، ودورها في حماية البيانات الهائلة التي تكدّسها من كل دول العالم حتى صارت كنز المستقبل.


 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"