الديمقراطية وتقنيات الإقناع

00:51 صباحا
قراءة 3 دقائق

بروس شنايدر*

القدرة على الإقناع مهارة قديمة قِدم الجنس البشري، حيث تعتمد على عملية الإقناع آليات عمل النظام الديمقراطي، وآليات عمل الأسواق. فالسياسيون يبذلون ما بوسعهم لإقناع الناخبين بالتصويت لهم، أو لدعم المواقف السياسية المختلفة، والشركات تسعى لإقناع المستهلكين بشراء منتجاتها.

 ومن المتفق عليه أن العمل والنشاط الاجتماعي يكونا أكثر جدوى في حال تحقق الاقتناع الجماعي. وتعمل التكنولوجيا بشكل أساسي على تغيير طبيعة آليات الإقناع لأن المجتمع بحاجة إلى تكييف قواعد الإقناع الخاصة به كي يتجنب الوقوع في التشرذم.

 وتبقى المجتمعات الديمقراطية، على وجه الخصوص، في حاجة ماسة إلى حوار صريح حول الدور الذي يلعبه الإقناع فيها، وكيف تمكّن التقنيات قوى التغيير من استهداف الجماهير. وفي مجتمع يكون فيه الرأي العام قوة حاكمة، هناك دائماً خطر حشده لأغراض سيئة، مثل إثارة الخوف، أو استهداف نقاط الضعف الشخصية لدفع المنتجات التي قد لا تفيد المستهلك. وهنا تبدو الولايات المتحدة، المستقطبة للغاية، على حافة الهاوية.

 فعلى سبيل المثال، تفرض لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية القوانين بشأن الترويج للمنتجات، وتدعي أن الإعلانات التجارية «يجب أن تكون صادقة، وغير مضللة، ومدعومة بأدلة علمية». لكن ألا يجب على السياسيين كذلك تعريف أنفسهم في الإعلانات التلفزيونية بحيث لا يتعرض الجمهور للتضليل؟

 لا شك في أن التقنية صارت تسهم في تشكيل قناعاتنا، ورسم خرائط الأحاسيس الفردية حيال الأشياء، وكيف نتفاعل معها.

 ولطالما شكلت النداءات العاطفية أحد جوانب الحملات السياسية. ففي الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 1860، نشر السياسيون الجنوبيون ومحررو الصحف مخاوف مما قد يعنيه فوز «الجمهوريين السود»، ورسموا صوراً مروعة لما سيفعله تحرير العبيد في البلاد. وفي انتخابات عام 2020، استغل الجمهوريون المعاصرون مخاوف الأمريكيين الكوبيين من الاشتراكية في الإعلانات عبر الراديو باللغة الإسبانية، والرسائل على وسائل التواصل الاجتماعي.

 لقد أتاح الإنترنت لتقنيات الإقناع الجديدة أن تمضي إلى أبعد من ذلك. ويمكن لأولئك الذين يسعون للتأثير في الآخرين جمع واستخدام البيانات حول الجماهير المستهدفة لإنشاء رسائل مخصصة. ويمكن لمنظمي الحملات الدعائية والانتخابية تتبع المواقع التي يزورها كل فرد، أو مجموعة مستهدفة، وما يتفاعل معه على وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتالي توجيه الرسائل التي تحظى بتعاطفهم، وتناسب ميولهم السياسية.

 وتوفر الهواتف التي في جيوبنا لمنظمي حملات الترويج إمكانية معرفة موقعنا في الوقت الفعلي، ما يساعد في تقديم إعلانات ذات صلة جغرافية، مثل الدعاية لأولئك الذين يحضرون تجمعاً سياسياً. وتتيح هذه التجربة الرقمية الدائمة لجهات التسويق معرفة ما نقوم به - ومتى، وأين، وكيف نشعر في تلك اللحظة.

 قد لا يستدعي ذلك الشعور بالقلق، لكن التكنولوجيا موجودة بالفعل للمساعدة في التنبؤ بالحالات المزاجية لبعض الجماهير المستهدفة، وتحديد مواقعها في أي وقت، وتقديم رسائل مخصصة إلى حد ما، وفي الوقت المناسب. لكن إلى أي مدى يجب أن تستمر هذه التقنيات قبل أن تقوض استقلالية أولئك المستهدفين لاتخاذ القرارات بإرادتهم الحرة؟

في الوقت الحالي، هناك عدد قليل من القيود القانونية، أو حتى الأخلاقية، على الإقناع - وهناك إجابات قليلة بشأن فعالية مثل هذه التقنيات. لذا يحتاج العالم إلى التفكير في ما هو مقبول، وما هو أبعد من ذلك قبل فوات الأوان.

 ولا بد من التركيز هنا على أن عملية اتخاذ القرار القائمة على العواطف ليست عملاً عقلانياً يقوم على التفكير البطيء الذي تتطلبه الخيارات الصعبة، والمهمات المجتمعية المصيرية مثل التصويت. والحقيقة أن التفكير العاطفي يهدد بتقويض شرعية النظام، حيث يتم استفزاز الناخبين بشكل أساسي للتحرك في أي اتجاه يريده شخص لديه سلطة، ومال. وبالنظر إلى انتشار التقنيات الرقمية، والاستجابات الفورية التي غالباً ما تكون تفاعلية، فلا بد من تحديد الدور الذي تلعبه التقنيات، وإلى أي مدى.

 كل ذلك يفرض الشروع الفوري في حوار جاد حول تقنيات الإقناع بحيث يتم توضيح ما هو مسموح، وما هو ممنوع، قبل أن تصبح أغلبية أفراد المجتمع رهينة في قبضة ثلة من الأقوياء مالياً، وسياسياً.

* زميل ومحاضر في كلية هارفارد كينيدي.(فورين بوليسي)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

زميل ومحاضر في كلية هارفارد كينيدي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"