قيمة مستدامة

23:57 مساء
قراءة دقيقتين

باسمة يونس

لا يثير تجاهل الثقافة الشعبية وإعتام مناطقها المهمة، القلق، بقدر ما يثيره عدم تعريفها بالشكل الصحيح، وحصرها في منطقة غامضة متروكة لتكهنات الناس أو تفسيراتهم. ويزداد عمق التأثير السلبي لإساءة تعريفها للأجيال الشابة خصوصاً، فالنظرة السطحية للثقافة الشعبية تقلل من التزامهم بالقيم وتُقلّص شعورهم بالانتماء إلى هويتهم الوطنية. 

ويظهر تجاهل التعليم والإعلام للثقافة الشعبية في ربطها بالماضي، واتهامها بالقدم وحصرها في قوالب الترفيه في برامج التلفزيون، أو بعض الأفلام أو المسرح أو الموسيقى أو المحتوى المعروض على الشبكة الإلكترونية، أو المؤلفات والدراسات التاريخية.

ويسهم سوء الفهم في انحسار الضوء عن أهم مناطق الثقافة الشعبية، وارتكازها بالأساس على الخبرات المشتركة والأكثر جوهرية لاستدامة المجتمعات وتماسكها، فهي تتكون من مجموعات القيم والمعتقدات الأصيلة التي يخلقها ويتبنّاها الشعب ويندمج فيها على مر الزمن، ما يجعلها تقليدية ومستمرة ومتوارثة وقيمة أساسية باعتبارها أكبر المساهمين في تكوين وتنمية مجتمع صحي، وإرساء قوانين العدالة والتسامح والوحدة للمحافظة على تماسكه ورسوخ هويته.

وعلى الرغم مما يشاع عن أن الثقافة الشعبية لا تعني كثيراً لأبناء اليوم، ولا تواكب طموحاتهم، فإن مجرد العلم بأنها وليدة التجارب الجماعية المرتبطة بالفرد، ومعبّرة عن همومه وآماله، يمنحه إحساسه بالهوية المشتركة والمعنى والغرض من الحياة، والذي يتجاوز الاختلافات في الجغرافيا أو غيرها.

فكما تغرس الثقافة الشعبية الحقيقية في داخل كل إنسان شعوراً بالملكية والتمكين في المجتمع، تدفعه للتصرف بما يصب في مصلحة المجتمع؛ لأنه يعلم أن كل ما يضر هذا المجتمع يضره شخصياً، وأنه مسهم في تلك الثقافة وجزء من خبراتها وتجاربها المستمرة، ومصالحها العليا التي هي أيضاً مصالحه. 

وتمنح الثقافة الشعبية الأصيلة كل فرد إحساساً بالهوية المشتركة، والمعنى والغرض اللذين يتجاوزان الاختلافات في الجغرافيا.

ويشبه كثيرون الثقافة الشعبية بالمنتجات الغذائية العضوية التي يزرعها ويستهلكها الأشخاص الذين يقدرون أنفسهم، ويهتمون بحياتهم الصحية، على عكس الثقافة المركبة والأشبه بالأطعمة المصنعة التي على الرغم من تفضيلهم استهلاكها، فإنها غير مفيدة على الإطلاق، والمقلق في الأمر أن جيل الشباب اليوم يعتمد بالكامل على هذه الثقافة المركبة على الرغم من تضمّنها كثيراً من القيم غير المقبولة لا في المجتمع ولا في ثقافته.

تتطلب الثقافة الشعبية اهتماماً أكبر من وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية والثقافية؛ نظراً لتأثيرها الكبير في جميع أفراد المجتمع، الذين يتصرفون كما يشاهدون ويبنون تجاربهم الجماعية اعتماداً عليها. ويمكن للدراما والبرامج والفنون تغيير المعتقدات، وتعزيز وجهات النظر الموجودة مسبقاً، أو حتى إزاحة المعرفة المكتسبة من مصادر أخرى، وتشكيل الأفكار الصالحة للمجتمع والمحافظة على تماسكه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"